الثلاثاء، 14 يونيو 2011

جسر الشغور وطواحين الهواء


في رواية النظام السوري التي لم تنتهي فصولها والتي تتحدث عن الثورة السورية السلمية، نجد الفصل الجديد الذي يتحدث عن بلدة جسر الشغور، فبعد مظاهرات عارمة في جمعة اطفال الحرية، بدأت سطور هذا الفصل بالتطبيل والتزمير لوجود عناصر مسلحة اجرامية في هذه البلدة وبث التلفزيون السوري قصص لما حدث ويحدث وسيحدث هناك ومطالبات ومناشدات من اهل هذه المدينة بالتدخل في جسر الشغور لدحر هذه العصابات.

 وببداهة اكتسبها السوريون من فصول دموية سابقة تحدثت عم حدث في درعا وقراها، حمص وتلبيسة والرستن وتلكلخ، قرروا ترك بلدتهم بشكل جماعي، وبحسب موقع سيريانيوز فان اكثر من 50 آلف مواطن (عدد السكان في جسر الشغور 44 آلف حسب احصاء عام 2010 بحسب الموسوعة الحرة) تركوا بيوتهم هربا وانتشروا في قرى مثل دركوش وازمارين وسلقين في محافظة ادلب وقرية سلمى في محافظة حماة و صلنفة وكسب في محافظة اللاذقية، وطبعا في مخيمات للاجئين في تركيا ووصل عددهم هناك بحسب السلطات التركية الى وقت كتابة هذه التدوينة 7000 لاجئ.

بدأ الفصل الجديد في رواية النظام من دون اي مقدمات، ظهر خبر عاجل من جسر الشغور على شاشة التلفاز السوري الرسمي، 20 رجل امن قتلوا بايدي العصابات المسلحة، بعدها بساعة اصبح العدد 44، ليزيد بعد اقل من ساعة أخرى الى 80، ليستقر الرقم بعد ساعة ثالثة او اقل بطريقة تثير الاستغراب على 120، وكلهم قتلوا بكمين نفذه مجرمون محترفون يقاتلون بطريقة منظمة، ليتفزلك الابواق الجهال على الفضائيات ويتصدوا فيه عن الاسئلة الكثيرة حول قوة من قام بهذا الكمين ويقولون انه لم يكن كمين واحد بل عدة كمائن.

بعدها اخبرنا التلفزيون السوري بان رجال الامن الذين غدروا دفنوا في مقابر جماعية، وبث مكالمة مزعومة لاشخاص يتحدثون عن مقابر جماعية تحضر لرجال الامن المقتولين، وخرج وزير التشبيح الداخلي ليعلن ان الوضع الامني في جسر الشغور في انفلات خطير وان السلطات لن تسكت على هكذا انفلات فالاولية للامان والسلام واغاثة المواطنين الذي يرسلون نداءات الاستغاثة للجيش، وبعدها خرج ايضا وزير التشبيح الاعلامي ليعلن بدء العملية العسكرية لتطهرير جسر الشغور من المجرمين المتحدين في عصابات مسلحة لا تخاف الله.

بفرض ان كلام النظام السوري صحيح عن العصابات المسلحة التي تتحصن في بلدة جسر الشغور، دعونا نتذكر معا حادثة مشابهة الى حد ما حدثت قريبا، وبالتحديد في لبنان بمنطقة مخيم نهر البارد، وبغض النظر عن الاسباب.

كان عدد عناصر جماعة فتح الاسلام في مخيم نهر البارد يتراوح بين 500 - 700 عنصر وعند بداية الاحداث هناك في 20 آيار/مايو 2007 حاصر الجيش اللبناني المخيم ولم يستسلم عناصر هذه المنظمة الارهابية وحصل اطلاق نيران متبادل بين الجانبين تبعه بعد 3 أيام هدنة انسانية، ليخرج من هذا المخيم اكثر من 20 الف مدني فلسطيني، لزم الجيش اللبناني 100 يوم للسيطرة على المخيم، وقتل في هذه المواجهة : 154 جندي لبناني، و120 من عناصر فتح الاسلام و42 مدنيا، تم تمدير 80 بالمئة من المخيم بشكل شبه تام.

ولنعد الى جسر الشغور، اعلن اكثر من بوق ان التقديرات الاولية لعدد العصابات المسلحة في المدينة بين 2000 الى 3000 مقاتل، وانهم سرقوا 5 أطنان من الديناميت، وعتادهم بين السلاح الخفيف الى المتوسط، واكدوا ان الحملة العسكرية التي تحضر لها السلطات تحوي اكثر من 12000 جندي بالاضافة الى الدبابات والحوامات العسكرية.

بدأ الجيش السوري عمليته ضد العصابات المسلحة صباح الجمعة في 10 يونيو/حزيران 2011، ليعلن مساء يوم الاحد بعد بيومين فقط سيطرته الكاملة على المدينة وقراها، والقبض على العناصر المسلحة ومصادرة اسحلتهم، واكتشاف مقبرة جماعية، ولقد استشهد في هذه العملية جندي سوري وجرح 4 ، كل هذا حصل في اقل من 72 ساعة.

اليوم الثلاثاء 14 يونيو/حزيران 2011، وبعد هذه المعطيات، لدينا الكثير والكثير من الاسئلة التي يجب على النظام الاجابة عليها:
1- لماذا فر سكان مدينة جسر الشغور، بعد الاعلان عن وجود عصابات مسلحة وان الجيش قادم لحمايتهم ولم يهرب قبلا بوجود هذه العصابات وحدها، وخاصة الى تركيا او الحدود معها، وممن بالتحديد؟
2- رجال الامن لم يطلقوا رصاصة على من كمن لهم ولم نسمع عن حتى مجرم مسلح واحد قتل في مواجهة هذا الكمين، هل رجال الامن السوريين ضعيفون لهذه الدرجة؟ وان كانوا كذلك فمن المسؤول؟
3-  اذا استطاعت الاستخبارات ان تلتقط المكالمة التي تتحدث عن المقابر الجماعية المدبرة لرجال الامن، لماذا لم تستطع التقاط مكالمة اخرى قد تكون تحدثت عن الكمين او حتى اشارت اليه من قريب او بعيد ولكان 120 من رجال الامن احياء يرزقون؟
4- كيف اكتشف الجيش السوري المقبرة الجماعية بهذه السرعة الخارقة وفي ظل عمليات عسكرية ضد عصابات الاجرام المنظمة، على من كان تركيزه بالضبط المسلحين ام البحث عن جثث رجال الامن؟
5- قيل عن اسلحة متوسطة بيد العصابات، ولكن ما عرضه التلفزيون السوري ليس اكثر من بعض البنادق والمسدسات والقنابل، اين الاسلحة المتوسطة؟
6- اين العدد الذي قيل عن العصابات المسلحة المقدر بـ 2000 مقاتل، وأين قتلاهم الذين سقطوا برصاص الجيش السوري في عمليته؟
7- كيف عرض اعترافات العناصر المجرمة بهذه السرعة العجيبةعلى التلفاز وكأن المحققين السوريين لديهم مشروب يدفع المتهمين الى الاقرار الفوري بجرائمهم؟
8- كيف استطاعت القوات السورية التخفيف من الخسائر في ابنية المدينة بحيث تصل الى نسبة قياسية، تصل الى صفر بالمئة؟
9- بعد نجاح هذه العملية العسكرية بكل المقاييس، هل سيقوم الجيش السوري تدريس الاستراتيجيات وتبادل المعلومات الاستراتيجية مع جيوش صديقة لتفادي ما يحدث عادة في مدن قد تتعرض للسيطرة من عصابات مسلحة (زنجبار في اليمن مثلا)؟
10- هل فعلا هناك عصابات مسلحة اجرامية؟

الاسئلة السابقة فعلا تحتاج الى اجابات والآن قبل اي وقت مضى، ولكن مع علمي بان النظام لن يستطيع ابدا، سأكتب نهاية هذا الفصل من رواية النظام السوري على طريقتي.

لم يكن هناك اي وحوش في جسر الشغور، ولم يكن هناك اي طواحين هواء، ولم يمر دون كيشوت دي لامانتشا من هناك بافكاره وايمانه بالحق وقوة الالتزام به وباخلاق الفرسان، لم يكن الا نفس العصابات التي قتلت المدنيين في درعا وبلداتها وقراها، وحمص وبلداتها وقراها، التي اعتقدت انها ستشرب من دماء السوريين القاطنين في مدينة جسر الشغور ولم تجد احد، والاخبار تتحدث عن توجههم الى مدينة معرة النعمان لانها هي الاخرى واقعة تحت سيطرة العصابات المسلحة الاجرامية.


شكرا للقراءة ولوقتك معي، اي تعليق مهما كان صغيرا او ملاحظة هو محل ترحيب مني واتشرف به.

هناك 11 تعليقًا:

  1. صحيح ان الرواية الرسمية مضحكة ومزعجة لاستحمار القراء والمستمعين ولكن لاجمل انه يناقض نفسه ويشير الى هذه التناقضات ايضا :

    اولا اود ان اوضح ان الجيش وفق الرواية الفعليه والرسمية دخل يوم الاحد صباحا الى مدينة الجسر كمدينه وانتهى من الاعمال التطهيرية(حسب وصفه) قبل غياب شمس ذلك اليوم

    اما المضحك والمتناقض فمثلا المكالمات الهاتفيه التي عرضها قبل ثلاث ايام والتي تتحدث عن المقبره عرض ضمنها مكالمة لسيده اعتقد اسمها شذي تتصل بنفس الشخص وتنبهه الى انه تم كشف امره وظهر صوته على التلفزيون وهو يتحدث عن المقبره
    طيب لهون لنفترض انه كلامهم صحيح فكيف اصر هذا الشخص على متابعة مخططه للمقبره الذي تم كشفه على مسمع من الملايين ؟ اي ساذج سيستمر بخطة علم بها الملايين ؟؟ ثم اين باقي 110 جنود ؟

    ردحذف
  2. بكل وضوح النظام السوري لا يزال متمسك بطريقة الثمانينات والسبعينات في الكزب والوقاحة شو هالنظام الغبي والوقح يضحكوا على مين ؟؟ الطفل الصغير إزا رأى القنوات السورية ضحك على سخافة وغباء الإعلام السوري

    ردحذف
  3. تحليل رائع عزيزي.. للتذكير فقط وللمزيد من المقارنة.. يقال أن عدد المسلحين الذين واجهوا الجيش في أحداث حماة في الثمانينات لا يتجاوز مئات.. وأعلى تقدير لهم هو ألفين.. وقد استمرت الأحداث نحو عشرين يوما.. قابلهم أيضا نحو 12000 جندي.. وتم تدمير ثلث المدينة.. والبقية معروفة

    حسام عرفة

    ردحذف
  4. مقالة ممتازة بلا شك فلقد كشفت كم هائل من تناقضات الرواية الرسمية للنظام..

    لكن أناشد الجميع خصوصا الكتاب السوريين التركيز أكثر على مناقشة لماذا يقوم النظام بكل ما يقوم به من جرائم، صحيح أن الجميع يعلم أن الهدف هو تركيع الشعب السوري ليعود إلى حظيرة العبودية.. لكن التركيز على هذه القضية يعطي بصيرة للجميع لما يحدث..!

    ولقد كانت لي محاولة بهذا الخصوص عبر مقالة لي في مدونتي..

    ملاحظة على الهامش: يبدو وجود مشاكل في عمل التعليقات في مدونتك.

    ردحذف
  5. تحليل جميل و أسئلة رائعة بحاجة لإجابات, خاصة السؤال رقم 6

    إنها عملية عسكرية واحدة ممتدة من درعا إلى ريف دمشق فحمص و تلكلخ إلى بانياس و جسر الشغور و إدلب و الآن إلى دير الزور و البوكمال .. العجيب هو هذا الانتقال لهذه الحملة من الجنوب صعوداً إلى الشمال و ثم الى الشرق و كأنها رحلة تمشيط لكل المدن و الغريب هو عدم تمكنهم من القضاء على العصابات المزعومة فالمظاهرات مستمرة في درعا و الشهداء لا زالوا يسقطون

    ردحذف
  6. شكراً ديمة رائعة جداً بس الله يسامحك هلق بدمروا نص جسر الشغور مشان يثبتوا إن المسلحين كانوا هون.

    ردحذف
  7. أظن برأيي المتواضع أن كل ما يفعله النظام من قتل وترهيب هو لسبب واحد ووحيد....هل أنتم مستعدون....!

    ترهيب وترعيب وتخويف أهل دمشق و حلب....فـــقــــط

    ما يفعله هو فقط ليقول لهم، خليكون حبابين وإلا!!!!

    ردحذف
  8. بما انهم القوا القبض على العصابة المزعومةوتمكنا من تنظيف المدينة لماذا لا يطلبون من الاهالي المشردون العودة الى ديارهم ليعيشو برخاء واستقرار؟

    ردحذف
  9. تحليل منطقي يحشر ابواق النظام في خانه الصفر
    تم نشره في صفحتي و الكثير من يتداوله الان
    اشكرك

    ردحذف
  10. شكرا جميعا على تعليقاتكم وما تضمنته، وسأركز على النقاط التي ذكرتموها سابقا.

    ردحذف
  11. أضف سؤال جديد ومهم لماذا لاتظهر الجماعات المسلحة في مناطق عديدة في وقت واحد؟ ولكن تظهر تباعا حيث انهم كلما انتهوا من اقتحام منطقة, مباشرة تظهر منطقة اخرى يوجد فيها عصابات أخرى.

    ردحذف