السبت، 23 يوليو 2011

الشهيد ليس رقما


في جمعة أحفاد خالد من اجل الوحدة الوطنية بالامس، خرج حسب تقديرات النشطاء ووكالات الانباء اكثر من مليون ومئتي آلف متظاهر متحدين الوحشية القمعية للنظام السوري، وسقط حوالي 11 بطلا بنيران رجال الامن البرابرة.

بعض التعليقات والتحليلات خرجت علينا لتفسر تناقص عدد الضحايا الذين سقطوا بالامس، فمنهم من كان في صف النظام واخبر عن تراجع في اعداد المتظاهرين وهذا مردود عليه، ومن في صف المتظاهرين اخبر عن تقهقر قوات الامن نتيجة التعب والارهاق على طول خمسة اشهر.

ولكن فات على الطرفين ان مقتل شخص سوري واحد هو فاجعة بحد ذاتها، فكيف اذا كان العدد 11 شهيدا، ان الانسان وروحه مقدسين بكل الاديان والمبادئ والقيم، وعليه يجب ان لا نقلل من اهمية رقم ما اذا كان اقل من جمعة سابقة، فالانسان هو انسان ودمه حرام بكل المقاييس والاعراف.

علينا ان لا نقلل من احترامنا للضحايا ودمائهم بمجرد اننا اعتدنا على رؤية القتلى والدماء، المشكلة ليست بالارقام، المشكلة بازهاق تلك الارواح النبيلة التي تنتمي الى عائلة، الى حي، الى مدرسة او جامعة، والى تجارب وذكريات.

شكرا لكم ايها الابطال، تضحياتكم امانة في اعناقنا وسنردها لكم بيوم من الايام بسوريا حرة كما تشتهون.

الاثنين، 18 يوليو 2011

السوريون وصندوق باندورا


كنت وما زالت اعشق قراءة الاساطير الاغريقية القديمة واعيد قراءتها مرة بعد المرة، ومن هذه الاساطير الاسطورة التي تتحدث عن باندورا التي اراد ان ينقم زيوس من زوجها واولئك الذين يخلقهم هذا الاخير من البشر بسبب سرقته لنار مقدسة من الجنة وتعليمه للبشر كيفية استخدامها، فاهداها صندوق وذلك بشرط ان لا تفتحه، ولكن حب الاستطلاع عند المرأة جعلها تفتح هذا الصندوق لتخرج منه مشاعر الانسان وكل الشرور المتعلقة به من حروب واجرام ومجاعات وامراض ومن هول الصدمة التي المت بباندورا مما رأت اغلقت الصندوق ليبقى فيه فضيلة الامل.


تعلمنا هذه القصة ان الانسان يعيش في هذا العالم بكل ما فيه من شرور ومعاناة والفرق بين هؤلاء البشر هو الامل الذي يعطي النجاح والرفعة للبعض ممن يتمسكون به ويعطي الدرجة السفلى لمن لا يتمسكون بهذا الامل.

في شهر شباط/فبراير من هذا العام انتشرت دعوة على الفيس بوك لانطلاق ما يسمى يوم الغضب السوري في الخامس عشر منه، هذه الدعوة لم تلقى اي استجابة من السوريين ومرت هذه الدعوة بدعوات مضادة من مفكرين ومثقفين وحتى رجال دين يعتبرون في هذه الايام مؤثرين بالاحداث التي تجري اليوم، لقد كان فتح صندوق باندورا في الثمانينيات وما رافقه من مجازر وشرور شاخصا امامهم، كما ان اغلاقه في وقتها كان قد حبس الامل في ان تنتقل سورية مما هي عليه من ارتهان للبعث وآل الاسد الى سورية المدنية الديمقراطية.

وجاءت دعودة جديدة ليوم غضب جديد وذلك في شهر آذار/مارس من هذا العام في الخامس عشر منه، كذلك حذر الكثيرون من ان يخرج الناس في اي مظاهرات وذلك تحت ضغط الذكريات وآلمها، لكن هذه المرة رافق هذه الدعوة أحداث جعلت السوريون يستجيبون لهذا النداء، كان منها المظاهرة التي خرجت في سوق الحميدية والتي تنادي بالحرية وتضم اقل من 50 شخصا، ووقفة الاحرار امام وزارة الداخلية للمطالبة بالافراج عن المعتقلين السياسيين وطريقة اعتقال هؤلاء الوحشية، بالاضافة الى السبب الرئيس في مدينة درعا والمظاهرات المطالبة بالافراج عن اطفال بعمر الزهور اعتقلوا بسبب كتابتهم شعارات مناهضة للنظام السوري فسقط شهيدا من سقط وجرح من جرح واعتقل من اعتقل، لقد فتح السوريون صندوق باندورا مرة أخرى.

نحن الآن في بداية الشهر الخامس من الثورة السورية السلمية التي امتدت الى كافة انحاء الوطن السوري، اكثر من 2000 شهيد قتلوا بوحشية وبدم بارد وبنيران قناصة، اكثر من 20 آلف من المعتقلين والمغيبين قسريا، واكثر من 6000 جريح، دماء وآلام وأحزان في قلوب ذويهم واصدقائهم وجيرانهم وكل السوريين، كل يوم يسقط العشرات وذلك في سبيل الحرية والكرامة والعزة.

الثورة السورية اليوم امام تحديات اهمها رد الفعل العربي المشبوه الاخرس ورد الفعل الغربي الضعيف وموقف روسيا والصين الغير انساني، والاعلام المنافق التابع لبعض مرتزقة النظام السوري ومن يدور في فلكه ومن يهاوده، وامام النظام السوري الذي يسعى بكل طاقته لتحويل السلمية التي صبغت التحركات الشعبية الى الدموية والمواجهات الطائفية وآخرها كان بالامس في مدينة حمص، لكن الامل في مستقبل مشرق مزدهر لسورية هو من يحرك الجماهير في مظاهراتها لاسقاط النظام واستبداله بالنظام الديمقراطية المدني الذي يحفظ للانسان السوري كرامته.

الشعب السوري الذي يتظاهر في الشوارع والازقة في المدن والقرى يعلم جيد من خبراته السابقة ان اي توقف او تراجع او مهادنة مع وعود النظام الخلبية هو اغلاق لصندوق باندوا خاصتهم ولكن بنفس الوقت هو حبس واخفاء للامل لمدة خمسين سنة قادمة، فهو مصر على الاستمرار حتى النهاية متسلحا بالامل والتصميم على الحياة الكريمة او الموت الكريم.

الأحد، 10 يوليو 2011

خونة الجمعة وساحرات السبت


اوروبا في العصور الوسطى كانت في اظلم عصورها على الاطلاق، وسط يتحكم به الخرافات والايمان بقوى الظلام بقيادة الشيطان التي تسعى الى دمار الانسانية بالاضافة الى رجال الدين والملوك والامراء مجتمعين على حرمان الرعية من العلم وحرية التفكير والاعتقاد والتعبير لضمان الاتباع الاعمى لنفوذه وسلطتهم.


فعلى سبيل المثال لا الحصر اكثر من 100 آلف امرأة اتهمت بالسحر والشعوذة او التعاون مع الشيطان وتقديسه بهدف أذية الناس والعامة في المانيا وحدها في القرن السابع عشر وحرقن، كان هناك ما يسمون صائدي الساحرات وهم اناس مهمتهم كشف هؤلاء النسوة والاستدلال عليهم مقابل مبالغ مالية كجوائز وحوافز، كانت النسوة بكل بساطة لا يمتلكن الحق في الدفاع عن انفسهن، كان امامهن فقط الاعتراف والموت حرقا او شنقا او الانكار والموت ايضا تحت التعذيب او الاعدام بحسب ادلة واهية لا تحمل اي قيمة قانونية او من خلال شهود زور كانوا يعتقدون انهم بشهادتهم التي تحمل ادانة تلك النسوة يقدمون خدمة للرب.

أكثر التهم انتشارا في ذلك الزمن كان الانتساب الى أعضاء في اجتماعات سبت الساحرات، وكانت هذه التهم تتضمن تهمة الاجتماع مع نسوة أخريات ايام السبت والقيام بهذا اليوم بطقوس شيطانية كتقبيل موخرة الشيطان وممارسة الجنس الجماعي وتقديم القرابين البشرية الدموية، وعليكم ان تتصور كمية التعذيب والالآم التي مرت بها تلك النسوة وكمية الاجرام التي رافق تلك الفترة من التاريخ الاسود من تاريخ البشرية، والتي انتهت كما تفسرها احدى الباحثات بسبب انتقال الناس من الريف للمدينة وانتشار العلم والبدء بتقديس التفكير وارتفاع ضمانات الحرية الشخصية وعلى رأسهم حرية التعبير.

سورية منذ الانقلاب الاول على الدستورية الناشئة بعد الاستقلال وهي تعيش بعدم استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي وجاء حزب البعث في بداية ستينيات القرن الماضي لتكريس الاوضاع التي دفعت سورية الى الظلام السياسي الذي نعاني من تبعاته لليوم.

فمنذ استلام حزب البعث السلطة نتيجة انقلاب عسكري على حالة غير شرعية اصلا مرت البلاد بتحولات اعمق نحو الهاوية تجسدت بتحوله لاداة عائلية بيد آل الاسد ومن يدور في فلكهم من اقربائهم ومنافقيهم، هكذا اصبح كل من يقول رأيا مخالفا لهم او ينتقد اقل انتقاد خائن وضد الثورة (إنقلاب البعث)، سجن الكثيرون وعذب الكثيرون ومات الكثيرون.

أصبحت سورية دولة بوليسية متوحشة على شعبها، اصبح النظام السوري يقود جيش من صائدي الخونة بمفهومهم طبعا، فمن يتجرأ على ابداء اي نقد علني يجد نفسه في السجن او تحت التعذيب ليعترف بانه من عملاء اسرائيل او احدى الجماعات الدينية المتطرفة او اليسارية الثورية، قتل تحت هذا النظام ما يزيد عن 60 آلف شخص في الثمانينات رغم ان معظمهم مدنيين مسالمين لا نشاط سياسي واضح او اتهامات واضحة بالدليل القاطع.

في سورية التهم تلفق للناس بمجرد تقرير مخابراتي يقوم بكتابته مخبر، والاعتقال تحت ما يسمى قانون الطوارئ (ونفس السلوك يمارس بعد رفع هذا القانون)، والتعذيب يكون بطريقة بربرية بهدف نزع الاعترافات بما يمليه رجل الامن المكلف بالتعذيب، كثيرون يرفضون اي اعتراف فقسم منهم يقتلون نتيجة ارتفاع شدة التعذيب مع تقدم الوقت ومنهم يظل في المعتقل دون محاكمة باصابات بالغة قد ترافق المعذب لبقية حياته وربما يحاكمون بتهم اقل ما يقال عليها انها مضحكة وغير مادية كتهمة اضعاف الشعور الوطني او بث الشائعات او بث الاخبار المغرضة والى ما هناك من هذه التهم الغير عقلانية، ومن يعترف يكون السجن الطويل وبظروف صعبة وغير انسانية.

الثورة السورية السلمية الحالية التي تهدف الى الحرية والديمقراطية والوصول الى سورية الانسان اعادت الى ذهني اوروبا في العصور الوسطى وذكرتني بكل قصصها واعادت الي كل ما سمعت او قرأت عن جرائم النظام السوري في الخمسين سنة السابقة.

كل جمعة يجتمع المتظاهرين المطالبين بالحرية وهم يعلمون ان النظام السوري نظام متوحش دموي لا رحمة في قلبه، والنظام منذ بداية التظاهرات اطلق شتى انواع التهم عليهم فهم المندسين والمخربين والعصابات المسلحة والتكفيريين والسلفيين، اطلق رجال الامن الذخيرة الحية على المتظاهرين طوال الاشهر الاربعة الماضية وادى ذلك الى سقوط اكثر من 1800 ضحية وبدم بارد، رجال الامن هؤلاء انتقاهم النظام السوري بعناية فائقة وفق استراتيجة كونهم من الافقر في المجتمع ومن القرى النائية ليسهل عليه السيطرة الفكرية والمادية عليهم ليصبحوا في أيامنا هذه صائدي المتظاهرين أيام الجمع، وتم اعتقال اكثر من 20 آلف مواطن دون تهم واضحة وهم تحت التعذيب ومات الكثير منهم تحت هذا التعذيب وذلك للاعتراف بما لم يقدم عليه هؤلاء.

سورية تعاني بسبب قوى الظلام والمجرمين، والشعب السوري يعاني تحت هذا النظام الغير انساني، نستطيع تشبيه النظام السوري الحالي بالنظام البابوي المدعوم من ملوك وامراء الظلام الذي حكم اوروبا في عصور الظلام والذي كان يعدم كل من يشغل عقله ويفكر ويتحدث بحرية، وما اشبه اليوم بالامس حين كان صائدو الساحرات يلاحقون نسوة لا حول لهم ولا قوة بتهمة اجتماعاتهم أيام السبت فاليوم رجال الامن البائسون يلاحقون المتظاهرين أيام الجمعة ويقتلهم ويعذبهم كخونة ومخربين، والشعب السوري يمضي قدما بفرصة تاريخة يصنعها بنضاله وتضحياته الى المدنية المنشودة والى الحرية والديمقراطية، الى سورية النور والعلم والانسانية.

السبت، 9 يوليو 2011

تساؤلات عن زيارة السفير فورد


يوم الخميس الماضي قام السفير الامريكي روبرت فورد بزيارة لمدينة حماة وبات فيها وغادرها يوم الجمعة قبل الصلاة، في هذه الزيارة قام السفير بلقاء عدد من اهالي المدينة، وزار مشفى الحوراني للوقوف على صحة المصابين جراء نيران اسلحة الامن والجيش السوري في اقتحامهم للمدينة في الاسبوع الماضي والذي كانت نتيجته اكثر من 35 شهيدا وذلك يوم الخميس، ليقم بجولة ميدانية بسيارته في شوارع المدينة وخصوصا ساحة العاصي التي اصبحت رمزا للثورة السورية صباح الجمعة.

كان التلفاز السوري خلال هذه الزيارة ومساعده قناة الدنيا يشنان حربا اعلامية شعواء وبمساعدة أبواق النظام طبعا، فالسفير الامريكي ضرب بالبروتوكولات الدبلوماسية عرض الحائط وقام بهذه الرحلة دون اذن مسبق من النظام السوري، ولكن الجميع متفق على أن الزيارة كانت بموافقته وكعادته حاول استخدامها للتسويق لنظرية المؤامرة التي تضم بين أطيافها تحالف المخربين والارهابيين والتكفيريين ودول الخليج واوروبا والولايات المتحدة والتي سقطت هكذا ادعائات نهائيا منذ الأيام الاولى للثورة السورية.

أثبت سكان حماة كما هو حال إخوانهم في جميع المدن ان حراكهم سلمي ومدني، فسيارة السفير وبدون مرافقة كانت تسير بهدوء دون اعتراضها من احد، لم يرمي احد حجرة واحدة تجاهها بل قوبلت باغصان الزيتون والورود والهتافات التي تدعوا صراحة نظام الاسد للرحيل.

سيتكلم الكثيرون عن هذه الزيارة وابعادها وسترون في الايام القادمة الكثير الكثير من السجالات بين ابواق النظام واعلاميي الثورة، ولكن أنا هنا سأطرح تساؤلات دون محاولة الاجابة عليها:

1- لماذا لم يزر مدينة حماة او مدينة أخرى اي مسؤول سوري رفيع للوقوف على الحقيقة كما فعل السفير الامريكي؟
2- هل سماح السلطات السورية للزيارة بمثابة فخ نصب للسفير بحيث كان النظام يتوقع ان يقوم اهل حماة باستقباله بطريقة سيئة او عنيفة ربما كانت ستعلل لاحقا تدخل امني عنيف؟
3- هل كان سيستقبل اهل حماة اي وزير او مسؤول كبير سوري لو حاول زيارة المدينة بنفس الطريقة والحفاوة؟
4- لماذا لحق السفير الفرنسي بالسفير الامريكي الى مدينة حماة وما سر هذا التنسيق؟ هل هو تحرك اوروبي امريكي من نوع معين؟
5- هل سيجرؤ النظام السوري على طرد السفير لانه بحسب ادعائه تصرف دون تصريح او سيكتفي على الاقل بتوبيخه؟ او ربما سيحتفظ بحق الرد في الوقت والمكان المناسبين؟
6- في نفس الوقت الذي كان السجال على اشده استدعت الخارجية الامريكية السفير السوري بواشنطن لتحقيق معه عن تقارير تؤكد تورط السفارة السورية هناك بتصوير المتظاهرين ضد الحكومة السورية وابتزاز اهالي الناشطين المشاركين بها، هل هو فعلا سفير ام شبيح؟
7- هل سيستطيع اجتياز الاسد الابن عقبة حماة يا سمح الله كما فعل والده المجرم بالاشتراك مع عمه السفاح؟

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

يوم جمعة آخر



- يا الله ما أجمل هذه الرائحة الصباحية، إنه فنجان القهوة تركته والدتي بقرب السرير، إنها عادتها الصباحية، أمي ليست كباقي الأمهات فهي لا توقظني بالصراخ او النكز ولكنها تعرف أثر عبق القهوة المنشط علي.

- أرجو ان لا اسمع كلمة توبيخ من والدي، ولكن بصراحة فنجان القهوة لا يحلو الا وسيجارة معه، ترى هل سيكون فطورنا اليوم ككل يوم جمعة من مشتقات الفول والحمص والطحينة، سأخرج للصالة بعد انتهاء هذه السيجارة الطويلة وما تبقى في فنجاني.

- صباح الخير يا أبي، تبدو اليوم اجمل وعلامات الشباب ترسم على وجهك ابتسامة رائعة، قلي السر يا أبي ماذا تفعل؟ لأبيعه في السوق وأصبح مليونيرا.

- الأب يضحك ويقهقه: ماذا تريد؟ أخبرني ولا تتخذ مثل هذه المقدمات والمداخل،قل لي؟

- الأم وهي في المطبخ وتركيزها يتجه للحديث الدائر بين الأب وأبنها: إنه نفس الحديث، إنه نفس الموضوع، افعل شيء لأبنك المجنون هذا، ماذا تنتظر؟ أتنتظر أن تقع المصيبة وتقول يا ليت.

- أمي أرجوك، كفي عن معاملتي كطفل معتوه، ماذا أطلب؟ كل ما أطلبه هو مرافقة ابن عمي، هل ابن عمي أشجع مني او أفضل مني، او حتى ابناء جيراننا جميعا.

- يا ولدي لا تتحامل على أمك، فأنت لا تعلم خوف الام على ابنها، ومن ثم ......

- ابي الموضوع لا يحتمل النقاش، لقد وعدتني قبلا بانك ستسمح لي بعد انتهاء امتحان الشهادة الثانوية وها قد انتهى الامتحان، والآن اطلب لك السماح لي، أرجوك اعطني الفرصة.

- الام ودموعها أثرت على صوتها: توقف ارجوك لا تتحدث اكثر، لا أريدك ان تعود كابن جارنا في البناء المجاور من اسبوعين، أرجوك أرجوك.

- يا ولدي، امك وانا بصراحة خائفين عليك، وانت بصراحة ما زلت صغير والشارع خطر جدا في أيام الجمع، اسمع كلمة امك وابقى بالبيت، فأنا رأيي من رأيها.

- انتما والداي ولكن انا انسان كامل وواعي، ان اريد الحرية في البيت وفي الشارع، اريدها هنا وهناك، ابي ارجوك احترم رأيي، امي ارجوك احترمي رأيي، انا اريد ان اذهب اليوم الى مسجد الحي واكون مع اصدقائي وجيراني، اريد ان اهتف للحرية، وحريتي تبدأ من هنا من البيت، فاسمحا لي، حريتي تبدأ هنا، وقد رضخت لأوامركم ببقاء في البيت وعدم الخروج بسبب الامتحانات ولانك انت يا أبي وعدتني بسماح لي بعدها.

- يا ولدي اسمع لي جيدا، انا اريد الحرية كما تريدها للوطن وللناس، ولكن ما يحدث مخيف، فاما القتل قنصا او الاعتقال والتعذيب، او .... (بدموع تنهرم من عيني الاب) اختفاء طويل قد لا يتنهي.

- دموع الام اصبحت أغزر واخذت تولول بكلمات وعبارات وتوسلات: اسمع كلامي ومشورتي يا ولدي، ارجوك ورضي الله عليك في الدنيا والآخرة.

خمس دقائق من الصمت ....

- ماذا قلت يا أبي، ما ردك؟

خمس دقائق أخرى من الصمت ....

- يا أبي أتسمعني؟ قل لي.

خمس دقائق من الصمت ولكن هذه المرة مع ارتفاع صوت بكاء الام وتوسلاتها: أرجوك لاتسمح له.

- إذا سمحت لك امك بالذهاب فأذهب، والا فانا غير موافق وهذا القرار نهائي بالنسبة لي.

- الله يمد في عمرك وانت فوق رؤوسنا ....

- "في صمت" إنها اول مرة ارى فيها امي تقبل ابي امامي، صحيح ان هذه القبلة على الخد ولكن ايقبلان بعضهما دائما، دعك الآن من حديث القبل، ماذا سأفعل؟ أعتقد ان علي أن اذهب في غفلة منهما، فأنا عمري 18 سنة، في بلاد الغرب استطيع ان أشاهد كل البرامج التي كتب عليها +12، ولكن لا أستطيع هنا الخروج من البيت الا بقرار جمهوري،  آه حتى في البيت قرقوش موجود.

- اسمع يا ولدي .... (الدموع تخنق الام من جديد) انت ولدي الأكبر الوحيد، لا يمر يوم الا واحلم بك وقد تخرجت من الجامعة وانني اخترت لك اجمل نساء الارض زوجة وارى نفسي الاعب اطفالك الصغار اتخيلهم هم ربما 3 واحيانا ازيدهم، انت يا ولدي بهجتي في هذه الحياة، وانا أتوسل إليك سامحني، ولكن لن اسمح لك بالذهاب.

- "في صمت" يا امي احبك ولكن لماذا تقحمين نفسك في أحلامي لتفصليها على مزاجك حتى عدد الاولاد يا إلهي، آه يجب أن اطلب الحرية هنا في البيت واحصل عليها قبل ان انزل للشارع.

- لماذا انت ساكن؟ بماذا تفكر؟ أجب امك وقل لها: أمرك يا أمي!

- "في صمت" هل أنا في معتقل؟ لن أقول شيء، لقد وعدني وهاهو الآن يختبئ خلف زوجته.

- تكلم يا ولد، قلها واطلب أيضا رضى والدتك! لا تجعلني افقد صوابي، قلها يا ولد!

- اتركه، من المؤكد انه فهم علينا وسكوته هو علامة على قبوله بكلامنا.

- يا ولد، انطق بكلمة ماذا حل بلسانك؟ تكلم.

- بالله عليك لا تضغط عليه، ان اتفهمه واصفح عنه، ولا أريد منه اي كلمة، أعلم انه سيكون صالحا ويفعل ما طلبناه منه.

- آه آه والله تعبت، هل الفطور جاهز؟ ام علينا الانتظار قليلا.

- "في صمت" دائما اهرب بصمتك يا أبي.

الجميع يتناول الافطار، ولا أحد ينظر الى الآخر....

- أبي

- الكلام على الطعام ليس من آدابه، صه.

- دع الولد يتكلم، ماذا تريد يا عمري؟

- أريد أن أذهب اليوم الى مسجد الحي، واخرج في المظاهرة مع اصدقائي وشباب الحي، سأذهب ولو إضطررت للقفز من شرفة المنزل، هذا نهائي.

- عدنا الى نفس الموال، ماذا كنا نتحدث قبل قليل؟

- انا خائفة عليك يا ولدي، ولا أريد ان تذهب وابوك وانا متفقين على هذا، وأيضا هذا القرار نهائي.

ربع ساعة من الصمت .... وكل واحد منهم يريد الاخر أن يبدأ الحديث ليرد عليه .... توقفوا عن الطعام وكأنهم شبعوا ....

- أنا سأدخل الى غرفتي.

- لم تكمل صحنك يا ولدي.

- أتركيه ويكفي دلال.

بعد ساعتين ....
بعد ثلاث ....
بعد أربع ....

صوت اطلاق رصاص كثيف ....

الباب يقرع بقوة ...

- جارنا الحبيب، نبارك لك بشهادة ولدك البطل برصاص الغدر.

أصوات بكاء وآهات، ضوضاء ... زغرودة طويلة مشحونة بالفاجعة والآلم ... زغاريد تملأ الحي ...

اليوم التالي ....

- رحمك الله يا ولدي لقد سامحتك لعدم سماعك كلامي، الله يرضى عليك دنيا وآخرة، يا اب البطل سامحه من أجلي، سامحه لانه لم يسمع كلمتي، اغفر له فهو وحيدي.

- يا ام البطل، انا لست غاضبا، انا حزين، لا اعتقد انها  الفرحة والفخر في قلبي، لان ابني تحدى الخوف الذي عشت به اكثر من 40 عاما وأثبت رجولته وانطلق الى حريته ونالها، الله يرضى عليه ويسكنه جناته.

دموع وعبارات وآهات، واقفان كانهما جسد واحد ...