الخميس، 17 نوفمبر 2011

ساعة تعذيب


وقف امام والده يرتعد من الخوف، لقد جلب نتائج اختباراته اليوم، كانت دون ما يصبوا الاب اليه، من سبع اختبارات حصل على علامة كاملة واحدة اما البقية فتتراوح بين الستة والتسعة، أطال الاب في قرأتها، اعاد قرأتها مرة ثانية، نظر الى ولده وعيونه تكاد تتطاير منها الدماء التي تجمعت بها وكأنه شخصية من شخصيات مصاصي الدماء.

- يا اين الكلب، ما هذه الدرجات المنحطة مثلك؟ ما هذا الهراء ايها الغبي؟

لم يستطع الولد رفع بصره بوجه ابيه، ظل مطرقا بالارض منتظرا ما قد يحدث له، فهو قد ذاق العذاب مرات عدة على يد ابيه، الذي يستخدم معه في مثل تلك المواقف اصناف من فنون الضرب العشوائي الذي يخلف على جسده بقعا زرقاء بمختلف درجات هذا اللون.

- أأكل القط لسانك ايها الكسول الفاشل؟ قل لي ما ينقصك لتأخذ العلامات الكاملة؟ أطعمك وألبسك وتأخذ مصروف يومي مثلك مثل غيرك من الاولاد لا بل افضل منهم، وتأتيني اليوم بهذه القاذورات، أجبني!

ظل الولد صامتا فصراخ ابيه اصم أذنيه وشتت تفكيره، انه يعلم انها مقدمة لحفلة تعذيب قد تستمر ربما لساعة او أكثر، أحس بشيء ساخن يسيل على رجليه ليصل لقدميه.

- إذا كنت تخاف من العقاب أيها الابله، فلماذا لا تدرس وتجتهد؟ لماذا؟ لماذا؟

بدأت الدموع من عيني الطفل تنساب على خديه بشكل لا إرادي، وصلت لشفتيه فاحس بملوحة طعمها، أنه ملوحة الموقف الذي هو فيه، الصفعة الاولى كانت سريعة مباغتة، الصفعة الثانية كانت اسرع اقوى واثقل، رفع يديه النحيلتين ليرد بهما ضربات ابيه، فكانت ركلة قوية من رجل ابيه جعلته يشعر وكأن الشلل اصاب قدمه.

- إثبت مكانك ولا تتحرك، هذا ما جنته يداك اليوم، قل يا ولد! هل ابن عمك يختلف عنك بشيء؟ لقد كانت علامته كلها كاملة، اما انت! ماذا اقول؟ اما انت فعلاماتك سوداء كيومك الاسود هذا.

بكاء الام اخذ يزداد من الغرفة المجاورة مع ازياد الضرب المبرح الذي يتلقاه ابنها، فهي لا تستطيع ان تتدخل، لانها تعلمت من مرات سابقة ان الضرب والاهانات قد تتحول لها، هي ضائعة ما بين خوفها على نفسها وخوفها على ولدها.

- اخرسي ايتها اللعينة! والا طالك عقابي ايضا، ايتها الام الفاشلة، هذا سبب دلالك وعدم درايتك وكسلك في تدريس هذا الولد العاق.

كتمت الام انفاسها، اخذت تناشد بقلبها الله وانبيائه وكل القديسين والاولياء لينتهي هذا اليوم على خير، لقد كانت محنتها هذه تتكرر مع كل نتائج امتحانات او نتيجة نهاية العام.

- انت ايها الصعلوك! لن اعيد هذه المسرحية دائما، في المرة القادمة ساقتلك واتخلص من عار بلاهتك، اريدك ان تدرس وتكرر دروسك مرة بعد مرة، اريدك ان تدرس بجد اكثر، لا اريدك ان تكون مثلي، اريدك تحمل شهادة جامعية، اريدك ان تصبح طبيبا، اريد رأسي ان يكون مرفوعا، ولن اسمح لك بان تضعه في الوحل.

هز الولد رأسه موافقا مستلسما يريد الخلاص من حفلة التعذيب هذه، واخذ يمسح بدموع ووجهه من العرق التي تصبب منه، لاحظ اللون الاحمر على ظهر يده، لا بد وانه الدم يجري من انفه.

- هذا ما تفلح به، هز الرأس، هيا اغرب عن وجهي، هيا الى دروسك.

بعد سنوات: الولد اصبح باحثا في الزراعة والهندسة الورائية في احد بلدان اوروبا الغربية، بعد ان سافر من بلده ولم يتكلم مع والده من حينها، وامه توافاها الله بعد صراع قصير مع مرض السرطان، وابن عمه لم يكمل دراسته الثانوية، وما زال هذا الولد يتحدث عن هذه الحادثة معي كلما زرته او زارني فلقد شهدتها من شرفة منزلنا المطل على منزله.