الأحد، 17 يونيو 2012

العرب وغزو الفضاء

هذا الصباح وكعادتي، جلست مقابل حاسوبي اطالع الاخبار من المواقع الاخبارية، ولفت نظري ثلاثة أخبارتتعلق بغزو الفضاء، وكان الاول ان المسبار الفضائي "فويجر" التابع لناسا يصل الى حافة النظام الشمسي، والثاني هو هبوط مكوك فضائي للجيش الامريكي في كاليفورينا بعد مهمة سرية، والثالث هو أن اول رائدة فضاء صينية تنطلق في مدار حول الارض برفقة رائدين آخرين في محاولة للالتحام بالمحطة المدارية الصينية المسمى "قصر السماء".

غالبا ما تثير مثل تلك الاخبار خيالي، لاتصور النجوم والكواكب التي تدور حولها والاقمار التابعة لهذه الكواكب، المساحات الشاسعة التي تفصل بينها، وكأنني أعيش في قصص الخيال العلمي، وتراني عند قراءة اي خير كالاخبار الثالثة التي تقدمت مبتسما والسعادة تتراقص في قلبي، أعترف انني لا اعلم السبب، ولكن ربما هو حلم الانسان بالاستكشاف والتعرف على العوالم الجديدة.

ولكن اليوم قفز الى ذهني الاسئلة التالي: ما دورنا نحن العرب في هذا السباق الى غزو الفضاء؟ او على الاقل لماذا لا يوجد اي هدف او خطة للدخول في دور ما في هذا المجال؟ وما سبب ذلك؟ وكيف نستطيع ان نكون ضمن هذه الدائرة في النشاط البشري؟

تاريخيا فإن العديد من المسلمين والعرب ساهموا في علم الفلك في الماضي، وخاصة في القرون الوسطى، فكان رصدهم للنجوم والكواكب، وحتى الآن تشهد لهم اسماء الكثير من النجوم والكواكب بفضلهم في هذا المجال، وحتى ان قياسات المسافات بين هذه الاجرام تكاد تكون دقيقة بشيء يدعو الى التعجب، ولكن للآسف كل هذا اختفى الآن، ولم يسجل القرن العشرين والحالي الا صعود رائدي فضاء عربيين الى الفضاء، الاول امير سعودي بمساعدة الامريكان، والثاني سوري وبمساعدة السوفييت زمن الاتحاد السوفيتيي، وبغض النظر عن الهدف والغاية من تلك الرحلتين لكنه لم تتكرر بعد ذلك، ولم يسجل اي نشاط علمي في بلداننا يتعلق ببحوث الفضاء، واغلب ما قدمه بعض العرب هو تمويل بعض المشاريع الفضائية هنا وهناك بفضل فائض المالي الناتج عن ارتفاع سعر النفط.

حاليا تكاد خطط الحكومات العربية ان تكون خالية وبشكل كبير من اي خطط او طموح يتعلق بالفضاء، ومن خلال متابعاتي للاخبار منذ صغري لم اسمع بيوم من الايام عن تخصيص اي ميزانية لهذا المجال، الا طبعا من بعض اخبار اطلاق اقمار اصطناعية واداراتها عن طريق دول لها خبرة في هذا المجال لصالح حكوماتنا او مؤسسات تابعة لها، اذ يكاد نشاطنا شبه معدوم، وانجازاتنا معدومة تماما في الاسهام في تطوير وتحديث او انشاء اي مشروع مستقل.

تختلف الاسباب وتتشعب خلف انعدام اسهامنا في هذا النشاط الانساني المميز والواعد للمستقبل، فالبعض يلقي باللائمة على الدول الاستعمارية وهيمنتها، والبعض يجعل من الضعف الاقتصادي السبب الرئيس، وآخرون يرون ان التكنولوجيا المتقدمة صعبة على شعوبنا بسبب ثقافاتنا، والحق انه كل ما تقدم واكثر من ذلك، اذا ما شاهدنا دول اخرى لم تكن في مجال الفضاء من حوالي 30 عام ذات شأن، واليوم نسمع عن ما حققته في هذا المجال، وبرأيي ان المشكلة تكمن في عدم وجود قائد عربي له رؤية وهدف واضح ومعرفة بفوائد الدخول وبقوة في نادي الفضاء، بالاضافة الى غياب اي وعي شعبي على جميع المستويات باهميته، فيكفي ان نعرف ان الرئيس الامريكي السابق "كيندي" هو وراء دفع المجتمع العلمي الامريكي للقيام باول رحلة مأهولة الى القمر.

إن وجود قائد عربي له احلام تتعلق بالفضاء ليست الحل السحري، فبدون نظام تعليمي قوي، و نظام سياسي مستقر، ونظام اقتصادي نشيط، لن يستطيع القيام باي شيء في هذا المجال، ولكن ربما هناك فرصة في السعي لبدء مرحلة جديدة رغم ان هذا الطريق مليء بالعقبات الثقيلة، والبدء في محاولة تجديد نيان دولنا المتهالكة او المترهلة، والعمل بصدق على البحث العلمي الذي لايلقى اي رعاية، والعمل على بناء انسان له كرامته وقيمه الجديدة التي تكون له عوننا في اي تطور، والا كما تقول النكتة الشعبية القديمة: "العرب سيسيطرون على العالم قريبا، والسبب ان كل شعوب الارض سافرت الى الفضاء وتركتنا".

السبت، 2 يونيو 2012

طفل سوري آخر

وقف الطفل امام أنقاض منزله، هنا أخذ يسترجع ذكرياته، يرى في مخيلته غرف منزله الواحدة تلو الأخرى، صوت ضحكات اخوته واخواته، دعوات امه للافطار، وصوت والده وهو يقرأ القرآن بعد عودته من صلاة الفجر، دفاتره واقلامه وكتبه وحقيبته السوداء وهو يحضرها للذهاب للمدرسة.

وقف لمدة طويلة، حتى تذكر كل اللحظات الجميلة التي عايشها في هذا المنزل، كل لقمة طعام تناولها مع احبائه هنا، كل قصة قالتها امه قبل النوم، كل ابتسامة لابيه عندما كان يأتيه للمنزل بدفتر علاماته الجيدة، وكل هدية تلقاها لتفوقه، وكل شخص كان يزورهم بشكل دوري.

فجأة قطع فلم ذكرياته صفير الرياح القوية، المحمل برائحة البارود ونكهة الدمار، بشكل غريب عاد لواقعه، لشيء يزوره كل ليلة في كوابيسه، لآلام شديدة في قلبه الصغير الحزين.

أين كل الذكريات الجميلة؟ وهل تبقى لي في هذا العالم شيء يسحتق من اجله الحياة؟ أين انتم؟ أخذ يصرخ بحرقة ولوعة ولهفة، والدموعة غرغرت عينيه السوداوين المفجوعة.

رجع الى واقعه، امام بيته المهدم، الذي فقد معه أبيه وأمه وإخوته وأخواته، فقد فيه أقلامه، ضاع فيه حلمه بأن يصبح طبيبا، مشردا هكذا في الشارع، الشارع الذي لم يعد شارعا واصبح ممرا ضيقا على جانبيه أنقاض حيه الصغير الجميل.

هذا الطفل لم يعد لديه ما يعيش من أجله، عائلته بأفرادها كلها ماتت، معظم جيرانه وابنائهم ماتوا، اصدقائه في المدرسة ماتوا، ومدرسته تحولت الى كومات من الحجارة والتراب، واحترق المسجد، ودمر المستوصف، ولم يعد هناك دكاكين، فإما دمرت وأما نهبت، حتى أن الحياة لم تترك له جد، جدة، عم، عمة، خال، خالة، او اي قريب يعتني به بعد الآن.

أدار ظهره على منزله او ما بقي به من اشلاء ومشى، لم يعرف الى اين، لم يعد مهما اي طريق يسلك، أخذ يسير وحيدا في الدروب الموحشة، بقى ساعة او أكثر على سيره، فجأة وقف مواجها لحاجز أمني، نظر إليه ولكن لم يسمع الا صوت طلقة نارية واحدة، ربما عليه ان يشكر من اطلق النار، لانه ارسله الى أحبائه.