الأحد، 12 يونيو 2011

النظام السوري والذئب


كان هناك راعي يعيش في الجبال مع اغنامه البيضاء بالقرب من قريته الهادئة، وكان على مقربة منهما ذئب يعيش على اغنام القرية واحيانا على بعض ساكنيها، كان هذا الراعي يقص القصص عن رؤيته لهذا الذئب وعن ممانعته وصموده امام بطشه وجبروته وكان دائما يخيف بهذه القصص اصدقائه وجيرانه، امتدت هذه الحالة سنين طويلة واصبحت كلمات هذه الراعي ليست اكثر من حديث تافه وقصص فجة غير واقعية عن هذا الذئب، وفي يوم من الايام هجم هذا الذئب عليه ورأه الراعي لاول مرة واقعيا لا خيالا، استنجد باهل القرية ولكن الكذب لا يجني الا تكذيبا، واكل الذئب الراعي.

منذ بداية الاحتجاجات في سورية وآلة الاعلام السوري بكل طاقتها تعمل لتكذيب اي صوت غير صوتها، ولتبرير اي عمل يقوم بها نظامها ضد المتظاهرين، مئات المظاهرات والاحتجاجات هنا وهناك وآلاف من مقاطع الفيديو وفي المقابل هناك تكذيب بها واتهامات بفبركتها وحتى نسبها الى اماكن اخرى، اختلفت رواية الابواق على الفضائيات وعلى اوراق الجرائد اليومية وفي الاذاعات.

فعصابات مسلحة في درعا تقتل المتظاهرين السلميين وبالمقابل تقتل ايضا رجال الجيش والامن وتشوه جثثهم، ولكن عشرات مقاطع الفيديو من درعا تؤكد ان من يطلق النار هم من رجال الامن بلباس اجهزة مكافحة الشغب وبلباس الجيش السوري.

والجيش اكتشف نفقا تحت المسجد العمري في مدينة درعا لتخزين الاسلحة، لنصعق بعدها بان هذا النفق في المكسيك على حدودها مع الولايات المتحدة الامريكية يستعمل لتهريب المخدرات.

شاهدنا اهل قرية البيضا في بانياس وهم يتعرضون الى اهانة ليست موجهة لهم وحدهم، بل موجهة ضد البشرية كلها، ليخرج بعضهم ليقول ان هذه الاحداث حدثت من اعوام في كردستان العراق وقناة فضائية تشتهر بالكذب والتلفيق تلقت اتصال من عراقي يقسم انه شهد هذه الحادثة في العراق، ليكذب هذه الرواية بعدها البطل احمد البياسة في مقطعه الشهير الذي يحمل فيه بطاقته الشخصية التي تثبت جنسيته العربية السورية ويقولها بنغمة حزينة تعكس حزنه بالظلم الذي وقع عليه.

العصابات المسلحة تحولت الى مجموعة سلفية في حمص وترفع علم اسرائيل، ولكن هذه الجماعات التكفيرية لم ترسل اي بيان يدعو للعنف او يتبنى اي عملية من اي نوع في حمص، وهربت هذه العصابات بعد دخول الجيش السوري الى منطقة باب عمرو، وشاهدنا مقاطع فيديو لدبابات وناقلات جند تطلق الرصاص في الهواء دون اي سبب هكذا فقط لترهيب السكان الموجودين في منازلهم في تلك المنطقة.

بعدها هربت العصابات التي لا تخاف الله الى تلكلخ، واستنجد الاهلين بالجيش العقائدي البطل، ولكن الغريب في الامر ان الناس هربت الى لبنان بدل ان تهرب الى طرطوس مثلا، وقص الناس قصصا مخيفة عن الشهداء سقطوا بنيران هذا الجيش وتركت في الشوارع بسبب القناصة الذين لم يسمحوا لاحد بجر جثثهم من الشوارع لاداء الواجب الانساني تجاه هذه الجثث.

المظاهرات التي خرجت في القابون في دمشق لم تكن ضد النظام، بل كانت لشكر الله وحمده على نعمة المطر ولكن ما سمعناه من المتظاهرين في مقاطع الفيديو انهم كانوا يهتفون ضد النظام ويستعينون عليه بالله.

في حماة سقط في جمعة اطفال الحرية اكثر من 70 برصاص عصابات مسلحة وتم احراق مبنى حزب البعث، ومقاطع فيديو عديدة ظهرت لتوضح ان من كان يطلق النار هم قناصة بلباس مدنيين بين رجال الامن وعناصر مكافحة الشغب، ومبنى حزب البعث لم يحرق لان كاميرات الهواتف النقالة رصدت وقت المجزرة وجود قناصة على سطحه المطلة على ساحة الجريمة.

عصابات مسلحة تسيطر على جسر الشغور ويخرج وزير شبيحة الداخلية ليعلن ان اهل جسر الشغور يطالبون الجيش بالدخول، ويخرج علينا وزير التشبيح الاعلامي ليبرر لنا تدخل الجيش، ومرة اخرى نرى اهل جسر الشغور يهربون بارواحهم عبر الحدود الى تركيا، ولكن بتفسير ابواق النظام لزيارة اقاربهم في تركيا، ولا مشكلة اذا ذهبوا هناك فهي ارض سورية.

العشرات من الروايات الرسمية التي يتم بثها كل يوم، التي تحمل تناقضا غريبا تجعل الدفاع عنها صعب جدا، والتشكيك فيها سهل جدا جدا.

بعد 90 يوما من انطلاق الثورة السورية السلمية، بدأت قوى الاستعمار تتنبه الى بداية ضعف النظام السوري الذي كانت تعتبره لاعبا و ضامنا مهما في توازن وسكون المنطقة، وهاهي اليوم بدأت تلعب على وتر حقوق الانسان التي هي اول من ضيعها بدعهم الديكتاتوريات العربية وحمايتها، لتمرير مصالحها ورؤيتها للمنطقة وسعيا الى انشاء توازن جديد يلبي حاجاتها، وكل هذا بمساعدة النظام السوري الذي ما برح يكذب ويكذب، ولا يعترف بوجود حراك شعبي عنيف يهز سورية ولا يعترف بكذبه السابق ويطلب الغفران من الشعب .

ان النظام السوري من واجبه وعليه ان يميل الى مطالب الشعب كاملة، وان يقود التغيير السلمي في المنطقة، باتخاذه اجراءات عاجلة، واولها هو الاعتراف بالمشاكل الداخلية والخارجية التي يعاني منها، وان يترك الكذب واللعب بالمفاهيم والتبجح بالمقاومة والممانعة الوهمية التي ستزيد المشكلة وتعقدها اكثر، عليه الصدق مع نفسه ومع الاخرين، عليه ان يطلب النصح وان يستمع له، يجب ان يستمع للناصحين من اخوة عرب واصدقاء دوليين، لا مفر من ذلك، والا سيأتي الذئب ويأكله دون ان يقف بجانبه احد، وارجو ان يأكله وحده لا ان يأكل الشعب السوري معه.


شكرا على وقتك الذي قضيته في القراءة، بانتظار رأيك بكتابته في التعليقات....

هناك 3 تعليقات:

  1. شكرا للجهد الواضح في المقال.. أكاد أجزم بأن النظام السوري الذي ارتكب كل هذه الحماقات لن يصحو فجأة ليصحح المسار.. لا سيما وأن تصحيح المسار يفترض أن يكون رعاة هذا النظام في السجون.. الرهان برأيي هو استمرار هذا الحراك الشعبي وتطوير وعيه نحو قضية بناء سوريا حتى ما بعد سقوط نظام الأسد.. لاشك أن هناك عنق زجاجة علينا عبوره.. ولابد لنا من تطوير بنى سياسية ناضجة قادرة على حماية سورية وصنع مستقبل يليق بتاريخها..

    حسام عرفة

    ردحذف
  2. كلام جميل
    أعجبني التسلسل "السلس" في طرح الأكاذيب واحدة تلو الأخرى حسب ورودها ..
    لكن الفقرة الأخيرة تحمل أموراً لا يمكن أن يتقبلها عقل النظام ، فهو أكبر من أن يطلب النصح من أحد ، بل هو من يقدم النصائح إلى الجميع إذا أردت ، أما هو معاذ الله .. تف من تمك يازلمي

    عنوان رائع حقيقةً ، ومضمون جميل،
    فشكراً لك ، وبوركت يمينك ..

    ردحذف
  3. غوبلز لو كان عايش كان إتعلم من هالنظام....
    كل المخلوعين لعبوا ورقة العصابات لكنهم توقفوا في فترة وجيزة....هدول القتلة عم يستمروا طبعاً لأنو عندون النخوة تحت الصفر، وزوال النظام يعني محاكمتهون من بشار إلى أصغر مخابراتي أطلق رصاصة على العزل من السوريين!

    ردحذف