الثلاثاء، 28 يونيو 2011

المعارضة والثورة السورية


على مدار أكثر من اربعين عاما والمعارضة السورية مغيبة عن المشهد السياسي والاجتماعي في سورية، ومشرذمة في بلدان الاغتراب اومتوارية في الداخل إما هربا او اعتقالا او اختفاء قسريا، لم يكن احد قبل اربعة اشهر يتوقع ان نشهد قيامة جديدة لهذه المعارضة، وبعد بدأ الثورة السورية السلمية شهدنا ارتفاعا لاصوات المعارضين في الداخل وهم قلة وفي الخارج وهم الاكثرية.

وجدت المعارضة السورية نفسها فجأة في دائرة الضوء بكافة اطيافها من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، المفاجئة كانت قوية تحت شجاعة الشعب السوري بحيث اوضحت الحالة السيئة لهذه المعارضة، فلا تغطية اعلامية لنشاطهم قبلا هذا اذا وجدنا اي نشاط من اي نوع ولا شعبية تذكر في الداخل وشخصياتها مجهولة بكثير من الاحيان في هذا الداخل، وحملت ما لا تقوى عليه من مسؤوليات تجاه الشعب السوري الاعزل الثائر.

المعارضة السورية وكما نعلم تتكون من بقايا الاسلاميين والاشتراكيين والقوميين (مختلف القوميات السورية) والمنشقين عن النظام بالاضافة الى بعض الاحزاب الكرتونية في الخارج التي تعتاش على معونات دول الاستضافة والمكون الاكثر هم الكتاب والباحثين والمثقفين والشخصيات مستقلة.

بمواكبة الحراك الشعبي عقد اولا مؤتمر للمعارضة بانطالية في تركيا وبعده بأيام بروكسيل، وأخيرا المؤتمر التشاوري الذي عقد بالأمس وكان اللافت انعقاده في الداخل السوري بإذن مسبق من النظام السوري، واجمعت هذه المؤتمرات والاجتماعات على دعم الشارع السوري وحركته السلمية والتشديد على سلمية هذه التحركات، وهو اكبر نجاح للمعارضة رغم الاختلاف الفكري لاطيافها.

في المقابل كانت تحركات النظام السوري ضد هذه المعارضة فحاول في البداية وصف هذه المعارضة بأنها من أدوات المؤامرة الغربية لاسقاط نظام المقاومة والممانعة، ومع تقدم الثورة السورية غير من لهجته وحاول تقسيمها الى معارضة داخلية شريفة تعمل تحت سقف الوطن ومعارضة في الخارج تعمل بامر الاستعمار الجديد، وأيضا تحت ضغط الشارع بحث النظام السوري عن طريقة لاعادة جزء من شرعيته المنهارة امام جرائمه بحق المتظاهرين السلميين فسمح بانعقاد الاجتماع التشاوري الاخير في دمشق والغريب بالامر هو تقسيم هذا النظام للمعارضة في الداخل الى معارضة ايجابية واخرى سلبية.

وفي المقابل أيضا هناك الحراك الشعبي الذي أظهر ومنذ بداية المظاهرات السلمية رفع شعارات ضد أطياف من هذه المعارضة والتبرء من الانتماء لها، ومن اي تصريح او تحرك لافراد او تنظيمات المعارضة لا يتوافق مع المزاج العام الشعبي.

نحن الآن امام مشهدين يقفان مقابل المعارضة السورية، مشهد يقف فيها النظام السوري ضد هذه المعارضة الذي يحاول بشتى الوسائل للاستفادة من ضعفها لتسويق رؤيته للمرحلة القادمة وجعل الجزء الاضعف منها حلقة من حلقات شرعيته ولعبته، ومشهد شعبي يقف امامها أيضا ويحسب عليها حركاتها وسكناتها لمنعها من التحول الى لعبة بيد النظام او الالتفاف عن مطالب الشعب في سبيل بعض المكاسب السياسية الآنية.

امام المعارضة السورية خيار واحد فقط وهو محاولة اللحاق بالشارع ومطالبه وتقديمها وتبنيها لتأسس شرعية لها في النظام القادم في سورية، لا بديل لها عن ذلك والشعب السوري يقدم التضحيات وهو يطالب بالحرية والديمقراطية، والا ستسقط كما سيسقط النظام اليوم او غدا او في وقت لاحق اتمنى ان يكون قريبا جدا.

السبت، 25 يونيو 2011

النظام السوري ... الممانعة والمؤامرة


النظام السوري ومنذ وعيي على هذه الدنيا واسمعه يتكلم عن المؤامرة الخارجية والمتأمرين في الداخل، اسمعه يتحدث عن الامبريالية والصهيونية التي تريد النيل منه قادمة من الخارج وعن الرجعية التي تريد للوطن العودة الى العصور الحجرية وهي كامنة في الداخل.

ملايين الكلمات كتبت في الجرائد والمجلات الرسمية، ملايين الكلمات رددت على أثير إذاعة دمشق وتلفزتها، وملايين الكلمات في كتب القومية العربية الاشتراكية التي تدرس في المناهج السورية بداية بالمرحلة الابتدائية وانتهاء بالمرحلة الجامعية، كلها تؤكد على ان النظام السوري هو قلعة الصمود والتصدي وهو الممانعة وهو الخط الاخير في الدفاع عن العروبة والقومية العربية، وكلها تؤكد على حكمة القيادة وشراستها في الدفاع عن الوطن بمكتسباته التي قدمها للشعب.

دائما يتحدث النظام عن نجاحه الباهر في بناء سورية الحديثة، سورية القوية، سورية التي لا تقهر، سورية العزة والعروبة والإباء، لم يتحدث ابدا مرة واحدة مسؤول سوري ولو كان صغيرا ليعترف بأخطاء النظام او ليدل على خطأ ما، وان خرج واخبرنا بخطب ما فمرده دائما الى الامبريالية والقوى الرجعية والوضع الراهن والوضع الاقليمي والضغط الدولي، دائما هناك هاتين الشماعتين: الخارج الامبريالي الصهيوني والداخل الرجعي المتعامل مع الخارج.

ولم تخرج حركة الشعب السوري السلمية عن هذا الاطار، فبندر بن سلطان وسعد الحريري وجورج بوش الاب والابن والامبريالية الامريكية والاوروبية والصهيونية وتركيا الخائنة وعملائهم في الداخل السوري هم من يقفون وراءها، وبالتالي هي ليست نتيجة سياسية انتهجها هذا النظام وأخطاء بالجملة اقترفها على مدار اربعين عاما واكثر.

خطاب اول وثاني وثالث، مؤتمر صحفي لوزير الخارجية، وفريق عمل إعلامي شبيح على القنوات الفضائية، والاجماع هو المؤامرة الخارجية ومساعدة من قوى الرجعية في الداخل.

في كتاب "خمسون سر من اسرار الاقناع" وهو من منشورات مكتبة جرير، يتحدث فصل من فصول الكتاب عن معالجة الأخطاء التي تقع بها الشركة وعن كيفية تفسير هذه الاخطاء للجمهور والعامة، وملخص هذا الفصل يؤكد استنادا على تجارب عميقة ودراسات تتعلق بشركات عديدة ان الشركات التي تعترف بأخطائها وتنسبه الى الشركة نفسها او الى اشخاص فيها وتضع خطة لتصليح هذه الاخطاء غالبا تكون الأكثر اقناعا واحتراما وتقدير من جمهورها بعكس لو نسبت اخطاءها الى قوى او تأثيرات خارجية.

وبالعودة الى النظام السوري، نجد انه ما زال يتبع المنحى الثاني الذي شرحناه بالاعلى، فكل ما يحدث ليس الا نتيجة الاخر الخارجي والحدث الخارجي، ولم يعترف الى الآن انه هو السبب، هو السبب لتأكيده على خيار القمع والاجرام والكذب، هو السبب لتأكيده على الاستئثار بالسلطة والاستفراد بها، هو السبب لحمايته للفاسدين واللصوص والخارجين عن القانون.

على النظام السوري ان يعترف بانه هو وحده المسؤول عن ما يحدث، على النظام السوري الحالي ولتوفير الدماء والتضحيات والآلام التي ستنتج عن اقتلاعه ان يقود هو عملية الانتقال السلمي للسلطة ليذهب بعدها غير مأسوف عليه وربما سيسامحه عندئذ الشعب السوري، واذا اصر على ما هو عليه سيكون  النظام هو خارج حركة التاريخ وحركة العلم وحركة الانساينة، وهو ما زال يصر على استخدام ادواته القديمة المتهالكة، وسيكون خارج حسابات المرحلة القادمة.

الخميس، 23 يونيو 2011

الاسد والمعلم، والسقوط


كان خطاب الاسد الذي القاه في مدرج جامعة دمشق منذ يومين غامضا فجا لا يحمل في طياته الا رسائل التهديد والوعيد، والفلسفة الفارغة من اي محتوى، وهذا كان اجماع كل من سمعه او قرأه، فسمعنا معظم الدبلوماسيون الغربيون يتكلمون عن هذا الخطاب ويؤكدون على انه سلبي جدا ولا يحمل اي جديد، كان هذا الرد السريع والحاسم تجاه الاسد وخطابه مفاجأة للنظام السوري لانه اعتقد ان ما قدمه من اكاذيب وتبريرات وتلميحات ستكفي النظام الدولي وتسكته.

سارع وزير الخارجية لعقد مؤتمر صحفي ليوضح ما استعصى على الكثيرين فهمه او تفكيك شيفرته، فظهر امس على شاشات التلفزة وامامه العشرات من الصحفيين السوريين وبعض اللبنانيين وغاب عنه مراسيلي القنوات الاخبارية المعروفة والمرموقة عربية كانت ام غربية.

بدأ السيد وليد المعلم بإلقاء بيان اكد فيه على المؤامرة التي تحاك على سورية، واكد على ان هذه المؤامرة قادمة من اوروبا، هنا كانت اول رسالة غريبة تحمل في طياتها كلمات عجيبة: سننسى ان اوروبا موجودة على الخريطة ونتجه شرقا وجنوبا، وسننسحب من مفاوضات الاتحاد المتوسطي بعدما جمدنا المفاوضات الخاصة بالشراكة مع الاتحاد الاوروبي.

الغى السيد المعلم اوروبا تماما هكذا بمجرد كلمات، ونسي ان اوروبا متمثلة بفرنسا هي من دفعت الجيش السوري للانسحاب من لبنان واهانته مقابل القليل من الانفتاح الاقتصادي تجاه سورية وتخفيف من العزلة الدولية، ونسي ان حوالي 30% من صادراتنا تذهب الى بلدان الاتحاد الاوروبي، وحوالي 25% من وارداتنا تأتي أيضا من الاتحاد الاوروبي، فنحن بحاجة الاتحاد الاوروبي وليس العكس.

هاجم السيد المعلم تركيا واتهمها بشكل غير مباشر بأنها احد ركائز المؤامرة على سورية، فقال انه يعلم بان الخيام نصبت قبل اسبوع من الاحدث في جسر الشغور، ولكنه على ما يبدو لم يسمع بادارة الازمات من قبل ويعتقد ان دول العالم تعمل وفق مبدأ الفعل ورد الفعل كنظامه الذي لا يملك مقومات الحكومات الحديثة.

تحدث المعلم عن الديمقراطية وان سورية ستعطي دروسا بالديمقراطية فقط خلال 3 اشهر، ولكن لم يخبرنا هل هذه الديمقراطية ستؤدي مثلا الى اختفاء الاسد عن الساحة السياسية في حال حكمت صناديق الاقتراع بذلك، هل سيكون لنا اعضاء في مجلس الشعب يختلفون عن باقي دوراته من مصفقين وشعراء ومطبلين.

وفي سابقة غريبة سألت احدى الصحفيات عن سبب تسامح سورية تجاه المؤامرات الاوروبية بقيادة تركيا، فأجاب السيد المعلم: القافلة تسير رغم عواء الكلاب، واشتعلت القاعة المليئة بالصحفيين بالتصفيق، ففي سورية فقط: الصحفي يسأل سؤال فيجيب وزير الخارجية بكلام بذيء ويصفق الصحفي على الجواب.

ان كلمات وليد المعلم ومن قبلها كلمات بشار الاسد تدل على استعلاء غريب تجاه كل من يقول لهم كلمة لا او كلمة حق وتدل على السقوط المحتم لهذا النظام، يذكروننا بالانظمة البائدة التي خلت تلك الانظمة الشمولية الديكتاتورية العدائية للنظام الدولي، يجعلنا نتسأل متى سيسقطون كما سقط من قبلهم من هو اقوى منهم واشرس بكثير؟ هل سيحسمها الشعب السوري الحر؟ ارجو ذلك قريبا ....

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الخطاب التاريخي التافه


بدء الشهر الرابع من الثورة السورية السلمية، وحصيلتها اكثر من 1500 شهيد، واكثر من 15000 معتقل ومغيب، وعشرات الآلاف من اللاجئين في دول الجوار، كل هذا بيد نظام اقرب ما يكون للعصابة منه لمفهوم الدولة.

خرج الاسد علينا بالامس الاثنين في 20 حزيران/يونيو، والقى خطابا ببعض اصحاب الكروش الكبيرة والمنتفعين في مدرج جامعة دمشق، 70 دقيقة من الكلمات جعلت الآلاف من ابناء الشعب السوري يخروجون الى الطرقات كلهم غضب وتصميم على الاستمرار في المظاهرات.

حمل الخطاب الكثير من النقاط والمدلولات، والتي تصب كلها في غير مصلحة الشعب، وتقف ضد تطلعاته في الكرامة والحرية، كانت مصطلحاته تقترب من القانونية الدستورية الزائفة تارة والى الفلسفة التافهة التي لا ترقى الى مستوى الفلسفة ابدا، حاول ان يظهر نفسه على انه القائد المناسب للمرحلة التي اطلق عليها مرحلة الحوار.

شرح الاسد في خطابه المؤامرة الخارجية والداخلية، وبعث برسائل الى هذا وذاك، وقسم المتظاهرين الى ثلاث مكونات، وكانت كل كلمة تشرح هذه الاشياء يتضح فيها هشاشة موقفه وسخف ادلته وتفسيراته، وكانت رسائله مضحكة جدا ولا تخرج عن اطار رد الفعل الطفولي الفج، وتقسيماته كانت عنصرية مقيتة.

تخلل الخطاب خروجات عن النص، وكعادته حاول تفسير جمله بجمل اكثر تعقيدا وضبابية، وباستعارات من الطب والهندسة وعلم الادارة، انتهى معظمها بضحكات في غير محلها، اصابت الكثيرين وانا منهم بالغثيان.

جاء الخطاب كما توقعه الكثيرون بلا شيء، ولم يستطع الكثيرون من المحللين ايجاد اية نقطة ايجابية ولو واحدة يدلون عليها، كان تكرارا بلا معنى لكلمات سمعناها قبلا، تستند الى اوهام او بالأحرى أكاذيب الهدف منها الهروب الى الامام، واطلالة مدة الازمة أملا بمعجزة ما تحصل ويقف المد الثوري في سورية.

 لقد سمعت الخطاب اربع مرات في محاولة لفهم ما يريده بالضبط او ما الرسالة التي يريدها، ففهمت ما يلي: المتظاهرين هم من الجرائيم، سنطهرهم قريبا، هناك لجان تشكل ولجان أخرى لمساعدتها ولجان أخرى لاتخاذ القرارات وسنبقى نشكل هذه اللجان حتى نصل لتوليفة اللجنة المناسبة للاصلاح، ومن يأتي اولا الدجاجة ام البيضة، وسنعطي العالم الديمقراطي الغبي درسا في الاصلاح (قمع الاحتجاجات)، فعلا كان خطابا تاريخيا تافه.

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

جسر الشغور وطواحين الهواء


في رواية النظام السوري التي لم تنتهي فصولها والتي تتحدث عن الثورة السورية السلمية، نجد الفصل الجديد الذي يتحدث عن بلدة جسر الشغور، فبعد مظاهرات عارمة في جمعة اطفال الحرية، بدأت سطور هذا الفصل بالتطبيل والتزمير لوجود عناصر مسلحة اجرامية في هذه البلدة وبث التلفزيون السوري قصص لما حدث ويحدث وسيحدث هناك ومطالبات ومناشدات من اهل هذه المدينة بالتدخل في جسر الشغور لدحر هذه العصابات.

 وببداهة اكتسبها السوريون من فصول دموية سابقة تحدثت عم حدث في درعا وقراها، حمص وتلبيسة والرستن وتلكلخ، قرروا ترك بلدتهم بشكل جماعي، وبحسب موقع سيريانيوز فان اكثر من 50 آلف مواطن (عدد السكان في جسر الشغور 44 آلف حسب احصاء عام 2010 بحسب الموسوعة الحرة) تركوا بيوتهم هربا وانتشروا في قرى مثل دركوش وازمارين وسلقين في محافظة ادلب وقرية سلمى في محافظة حماة و صلنفة وكسب في محافظة اللاذقية، وطبعا في مخيمات للاجئين في تركيا ووصل عددهم هناك بحسب السلطات التركية الى وقت كتابة هذه التدوينة 7000 لاجئ.

بدأ الفصل الجديد في رواية النظام من دون اي مقدمات، ظهر خبر عاجل من جسر الشغور على شاشة التلفاز السوري الرسمي، 20 رجل امن قتلوا بايدي العصابات المسلحة، بعدها بساعة اصبح العدد 44، ليزيد بعد اقل من ساعة أخرى الى 80، ليستقر الرقم بعد ساعة ثالثة او اقل بطريقة تثير الاستغراب على 120، وكلهم قتلوا بكمين نفذه مجرمون محترفون يقاتلون بطريقة منظمة، ليتفزلك الابواق الجهال على الفضائيات ويتصدوا فيه عن الاسئلة الكثيرة حول قوة من قام بهذا الكمين ويقولون انه لم يكن كمين واحد بل عدة كمائن.

بعدها اخبرنا التلفزيون السوري بان رجال الامن الذين غدروا دفنوا في مقابر جماعية، وبث مكالمة مزعومة لاشخاص يتحدثون عن مقابر جماعية تحضر لرجال الامن المقتولين، وخرج وزير التشبيح الداخلي ليعلن ان الوضع الامني في جسر الشغور في انفلات خطير وان السلطات لن تسكت على هكذا انفلات فالاولية للامان والسلام واغاثة المواطنين الذي يرسلون نداءات الاستغاثة للجيش، وبعدها خرج ايضا وزير التشبيح الاعلامي ليعلن بدء العملية العسكرية لتطهرير جسر الشغور من المجرمين المتحدين في عصابات مسلحة لا تخاف الله.

بفرض ان كلام النظام السوري صحيح عن العصابات المسلحة التي تتحصن في بلدة جسر الشغور، دعونا نتذكر معا حادثة مشابهة الى حد ما حدثت قريبا، وبالتحديد في لبنان بمنطقة مخيم نهر البارد، وبغض النظر عن الاسباب.

كان عدد عناصر جماعة فتح الاسلام في مخيم نهر البارد يتراوح بين 500 - 700 عنصر وعند بداية الاحداث هناك في 20 آيار/مايو 2007 حاصر الجيش اللبناني المخيم ولم يستسلم عناصر هذه المنظمة الارهابية وحصل اطلاق نيران متبادل بين الجانبين تبعه بعد 3 أيام هدنة انسانية، ليخرج من هذا المخيم اكثر من 20 الف مدني فلسطيني، لزم الجيش اللبناني 100 يوم للسيطرة على المخيم، وقتل في هذه المواجهة : 154 جندي لبناني، و120 من عناصر فتح الاسلام و42 مدنيا، تم تمدير 80 بالمئة من المخيم بشكل شبه تام.

ولنعد الى جسر الشغور، اعلن اكثر من بوق ان التقديرات الاولية لعدد العصابات المسلحة في المدينة بين 2000 الى 3000 مقاتل، وانهم سرقوا 5 أطنان من الديناميت، وعتادهم بين السلاح الخفيف الى المتوسط، واكدوا ان الحملة العسكرية التي تحضر لها السلطات تحوي اكثر من 12000 جندي بالاضافة الى الدبابات والحوامات العسكرية.

بدأ الجيش السوري عمليته ضد العصابات المسلحة صباح الجمعة في 10 يونيو/حزيران 2011، ليعلن مساء يوم الاحد بعد بيومين فقط سيطرته الكاملة على المدينة وقراها، والقبض على العناصر المسلحة ومصادرة اسحلتهم، واكتشاف مقبرة جماعية، ولقد استشهد في هذه العملية جندي سوري وجرح 4 ، كل هذا حصل في اقل من 72 ساعة.

اليوم الثلاثاء 14 يونيو/حزيران 2011، وبعد هذه المعطيات، لدينا الكثير والكثير من الاسئلة التي يجب على النظام الاجابة عليها:
1- لماذا فر سكان مدينة جسر الشغور، بعد الاعلان عن وجود عصابات مسلحة وان الجيش قادم لحمايتهم ولم يهرب قبلا بوجود هذه العصابات وحدها، وخاصة الى تركيا او الحدود معها، وممن بالتحديد؟
2- رجال الامن لم يطلقوا رصاصة على من كمن لهم ولم نسمع عن حتى مجرم مسلح واحد قتل في مواجهة هذا الكمين، هل رجال الامن السوريين ضعيفون لهذه الدرجة؟ وان كانوا كذلك فمن المسؤول؟
3-  اذا استطاعت الاستخبارات ان تلتقط المكالمة التي تتحدث عن المقابر الجماعية المدبرة لرجال الامن، لماذا لم تستطع التقاط مكالمة اخرى قد تكون تحدثت عن الكمين او حتى اشارت اليه من قريب او بعيد ولكان 120 من رجال الامن احياء يرزقون؟
4- كيف اكتشف الجيش السوري المقبرة الجماعية بهذه السرعة الخارقة وفي ظل عمليات عسكرية ضد عصابات الاجرام المنظمة، على من كان تركيزه بالضبط المسلحين ام البحث عن جثث رجال الامن؟
5- قيل عن اسلحة متوسطة بيد العصابات، ولكن ما عرضه التلفزيون السوري ليس اكثر من بعض البنادق والمسدسات والقنابل، اين الاسلحة المتوسطة؟
6- اين العدد الذي قيل عن العصابات المسلحة المقدر بـ 2000 مقاتل، وأين قتلاهم الذين سقطوا برصاص الجيش السوري في عمليته؟
7- كيف عرض اعترافات العناصر المجرمة بهذه السرعة العجيبةعلى التلفاز وكأن المحققين السوريين لديهم مشروب يدفع المتهمين الى الاقرار الفوري بجرائمهم؟
8- كيف استطاعت القوات السورية التخفيف من الخسائر في ابنية المدينة بحيث تصل الى نسبة قياسية، تصل الى صفر بالمئة؟
9- بعد نجاح هذه العملية العسكرية بكل المقاييس، هل سيقوم الجيش السوري تدريس الاستراتيجيات وتبادل المعلومات الاستراتيجية مع جيوش صديقة لتفادي ما يحدث عادة في مدن قد تتعرض للسيطرة من عصابات مسلحة (زنجبار في اليمن مثلا)؟
10- هل فعلا هناك عصابات مسلحة اجرامية؟

الاسئلة السابقة فعلا تحتاج الى اجابات والآن قبل اي وقت مضى، ولكن مع علمي بان النظام لن يستطيع ابدا، سأكتب نهاية هذا الفصل من رواية النظام السوري على طريقتي.

لم يكن هناك اي وحوش في جسر الشغور، ولم يكن هناك اي طواحين هواء، ولم يمر دون كيشوت دي لامانتشا من هناك بافكاره وايمانه بالحق وقوة الالتزام به وباخلاق الفرسان، لم يكن الا نفس العصابات التي قتلت المدنيين في درعا وبلداتها وقراها، وحمص وبلداتها وقراها، التي اعتقدت انها ستشرب من دماء السوريين القاطنين في مدينة جسر الشغور ولم تجد احد، والاخبار تتحدث عن توجههم الى مدينة معرة النعمان لانها هي الاخرى واقعة تحت سيطرة العصابات المسلحة الاجرامية.


شكرا للقراءة ولوقتك معي، اي تعليق مهما كان صغيرا او ملاحظة هو محل ترحيب مني واتشرف به.

الأحد، 12 يونيو 2011

النظام السوري والذئب


كان هناك راعي يعيش في الجبال مع اغنامه البيضاء بالقرب من قريته الهادئة، وكان على مقربة منهما ذئب يعيش على اغنام القرية واحيانا على بعض ساكنيها، كان هذا الراعي يقص القصص عن رؤيته لهذا الذئب وعن ممانعته وصموده امام بطشه وجبروته وكان دائما يخيف بهذه القصص اصدقائه وجيرانه، امتدت هذه الحالة سنين طويلة واصبحت كلمات هذه الراعي ليست اكثر من حديث تافه وقصص فجة غير واقعية عن هذا الذئب، وفي يوم من الايام هجم هذا الذئب عليه ورأه الراعي لاول مرة واقعيا لا خيالا، استنجد باهل القرية ولكن الكذب لا يجني الا تكذيبا، واكل الذئب الراعي.

منذ بداية الاحتجاجات في سورية وآلة الاعلام السوري بكل طاقتها تعمل لتكذيب اي صوت غير صوتها، ولتبرير اي عمل يقوم بها نظامها ضد المتظاهرين، مئات المظاهرات والاحتجاجات هنا وهناك وآلاف من مقاطع الفيديو وفي المقابل هناك تكذيب بها واتهامات بفبركتها وحتى نسبها الى اماكن اخرى، اختلفت رواية الابواق على الفضائيات وعلى اوراق الجرائد اليومية وفي الاذاعات.

فعصابات مسلحة في درعا تقتل المتظاهرين السلميين وبالمقابل تقتل ايضا رجال الجيش والامن وتشوه جثثهم، ولكن عشرات مقاطع الفيديو من درعا تؤكد ان من يطلق النار هم من رجال الامن بلباس اجهزة مكافحة الشغب وبلباس الجيش السوري.

والجيش اكتشف نفقا تحت المسجد العمري في مدينة درعا لتخزين الاسلحة، لنصعق بعدها بان هذا النفق في المكسيك على حدودها مع الولايات المتحدة الامريكية يستعمل لتهريب المخدرات.

شاهدنا اهل قرية البيضا في بانياس وهم يتعرضون الى اهانة ليست موجهة لهم وحدهم، بل موجهة ضد البشرية كلها، ليخرج بعضهم ليقول ان هذه الاحداث حدثت من اعوام في كردستان العراق وقناة فضائية تشتهر بالكذب والتلفيق تلقت اتصال من عراقي يقسم انه شهد هذه الحادثة في العراق، ليكذب هذه الرواية بعدها البطل احمد البياسة في مقطعه الشهير الذي يحمل فيه بطاقته الشخصية التي تثبت جنسيته العربية السورية ويقولها بنغمة حزينة تعكس حزنه بالظلم الذي وقع عليه.

العصابات المسلحة تحولت الى مجموعة سلفية في حمص وترفع علم اسرائيل، ولكن هذه الجماعات التكفيرية لم ترسل اي بيان يدعو للعنف او يتبنى اي عملية من اي نوع في حمص، وهربت هذه العصابات بعد دخول الجيش السوري الى منطقة باب عمرو، وشاهدنا مقاطع فيديو لدبابات وناقلات جند تطلق الرصاص في الهواء دون اي سبب هكذا فقط لترهيب السكان الموجودين في منازلهم في تلك المنطقة.

بعدها هربت العصابات التي لا تخاف الله الى تلكلخ، واستنجد الاهلين بالجيش العقائدي البطل، ولكن الغريب في الامر ان الناس هربت الى لبنان بدل ان تهرب الى طرطوس مثلا، وقص الناس قصصا مخيفة عن الشهداء سقطوا بنيران هذا الجيش وتركت في الشوارع بسبب القناصة الذين لم يسمحوا لاحد بجر جثثهم من الشوارع لاداء الواجب الانساني تجاه هذه الجثث.

المظاهرات التي خرجت في القابون في دمشق لم تكن ضد النظام، بل كانت لشكر الله وحمده على نعمة المطر ولكن ما سمعناه من المتظاهرين في مقاطع الفيديو انهم كانوا يهتفون ضد النظام ويستعينون عليه بالله.

في حماة سقط في جمعة اطفال الحرية اكثر من 70 برصاص عصابات مسلحة وتم احراق مبنى حزب البعث، ومقاطع فيديو عديدة ظهرت لتوضح ان من كان يطلق النار هم قناصة بلباس مدنيين بين رجال الامن وعناصر مكافحة الشغب، ومبنى حزب البعث لم يحرق لان كاميرات الهواتف النقالة رصدت وقت المجزرة وجود قناصة على سطحه المطلة على ساحة الجريمة.

عصابات مسلحة تسيطر على جسر الشغور ويخرج وزير شبيحة الداخلية ليعلن ان اهل جسر الشغور يطالبون الجيش بالدخول، ويخرج علينا وزير التشبيح الاعلامي ليبرر لنا تدخل الجيش، ومرة اخرى نرى اهل جسر الشغور يهربون بارواحهم عبر الحدود الى تركيا، ولكن بتفسير ابواق النظام لزيارة اقاربهم في تركيا، ولا مشكلة اذا ذهبوا هناك فهي ارض سورية.

العشرات من الروايات الرسمية التي يتم بثها كل يوم، التي تحمل تناقضا غريبا تجعل الدفاع عنها صعب جدا، والتشكيك فيها سهل جدا جدا.

بعد 90 يوما من انطلاق الثورة السورية السلمية، بدأت قوى الاستعمار تتنبه الى بداية ضعف النظام السوري الذي كانت تعتبره لاعبا و ضامنا مهما في توازن وسكون المنطقة، وهاهي اليوم بدأت تلعب على وتر حقوق الانسان التي هي اول من ضيعها بدعهم الديكتاتوريات العربية وحمايتها، لتمرير مصالحها ورؤيتها للمنطقة وسعيا الى انشاء توازن جديد يلبي حاجاتها، وكل هذا بمساعدة النظام السوري الذي ما برح يكذب ويكذب، ولا يعترف بوجود حراك شعبي عنيف يهز سورية ولا يعترف بكذبه السابق ويطلب الغفران من الشعب .

ان النظام السوري من واجبه وعليه ان يميل الى مطالب الشعب كاملة، وان يقود التغيير السلمي في المنطقة، باتخاذه اجراءات عاجلة، واولها هو الاعتراف بالمشاكل الداخلية والخارجية التي يعاني منها، وان يترك الكذب واللعب بالمفاهيم والتبجح بالمقاومة والممانعة الوهمية التي ستزيد المشكلة وتعقدها اكثر، عليه الصدق مع نفسه ومع الاخرين، عليه ان يطلب النصح وان يستمع له، يجب ان يستمع للناصحين من اخوة عرب واصدقاء دوليين، لا مفر من ذلك، والا سيأتي الذئب ويأكله دون ان يقف بجانبه احد، وارجو ان يأكله وحده لا ان يأكل الشعب السوري معه.


شكرا على وقتك الذي قضيته في القراءة، بانتظار رأيك بكتابته في التعليقات....

الخميس، 9 يونيو 2011

النظام السوري مازال متماسكا


اسبوع واحد يفصلنا عن بداية الشهر الرابع من عمر الثورة السورية السلمية التي انطلقت من منتصف شهر آذار/مارس الماضي، قدم خلالها الشعب السوري صور ناصعة عن التضحية والمدنية، سقط خلالها اكثر من 1250 شهيد موثق والعدد هو اكثر من ذلك و سجن وخطف اكثر من 12000 ثائر ضد الظلم والطغيان وبالمقابل لم يلجأ الى العنف او الانتقام الا في حالات معدودة ومحدودة اكثر ما توصف به انها فردية خرجت عن سياق توجه جماهير الشعب السوري السلمي.

ان وضع الثورة السورية مختلف عن وضعها في باقي الدول العربية، فلمتظاهرين عجزوا عن ايجاد مكان للاعتصام يكون رمزا لنضالهم كما حدث في مصر فكل محاولة من المتظاهرين كانت تنتهي بمجزرة مروعة كمجزرة المسجد العمري في درعا ومجزرة ساحة الحرية (الساعة الجديدة) في حمص، ولم تنتشر المظاهرات في مدينتي دمشق وحلب كما انتشرت الثورة التونسية من المدن الصغيرة الى العاصمة فشكلت هاجسا للسلطات هناك، ولم نشهد احتجاجا من المسؤولين السوريين او الدبلوماسيين على المجازر التي ارتكبها النظام بالاستقالة او حتى الادانة كما حصل في ثورتي اليمن وليبيا.

ولم تدعم الثورة السورية خارجيا، فمعظم زعماء العالم لم يدعوا صراحة الاسد للمغادرة او نقل السلطة ولم يقولوا حتى كلمة "لقد فقد الشرعية للحكم"، بل على العكس اعتبروه اصلاحيا ودعوه للاسراع في عملية الاصلاح، حتى تغير رأيهم تحت ضغط نضال الشعب السوري الاعزل بعد مدة طويلة وتضحيات عزيزة وغالية، فمرر اخير امس قرار يدعو الى ادانة النظام السوري.

ان كل ثورة شعبية تعتمد بشكل كبير على اتساع رقعة مناصيرها من الشعب، وانهيار النظام الحاكم، وتوجهات قوات الامن والجيش التابع لهذا النظام، بمحاولة قراءة الواقع السوري نجد ان الثورة السورية انتشرت في معظم انحاء الوطن ولكنها لا تزال اضعف في كل من دمشق وحلب وما زال النظام يراهن على تلك المدينتين، والنظام السوري لم ينهار بعد بخروج من فيه عليه وصعقنا باستقالة السفيرة السورية في فرنسا وصعقنا اكثر بتكذيبها بعد ساعة وبعد ان اعتبرها الكثير الحجرة الاولى في انهياره، ولكن بعد تكذيب هذا الخبر اقنع الكثير بان هذا النظام استطاع ايضا بناء شبكة دبلوماسيين مرتبطين به عضويا بشكل يصعب معه الخروج عليه، وقوات الامن والجيش من جهة اخرى الا في حالات نادرة لم توثق الى الآن ما زالت تدعم النظام السوري بكل قوتها وشراستها المعروفة.

نستطيع ان نقول ان الشعب السوري الخارج ضد النظام هو وحيد في ساحة نضاله، الرهان الوحيد فيه على الوقت والتضحية، فمزيد من الاحتجاجات والمظاهرات لمدة طويلة ستنهك النظام اقتصاديا وسياسيا ومعنويا، واجرام هذا النظام هو من سينهك النظام اعلاميا وقانونيا، الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري اذا ما استمر في محاولته لسقاط النظام مرتفع جدا بالمقارنة مع باقي الثورات العربية، ولكن على ما يبدو فان الشعب السوري ماض في سعيه لنيل الحرية.

السبت، 4 يونيو 2011

النظام السوري وعقدة حماة


في عام 1982 انطلقت قوى الاجرام بقيادة رفعت الاسد واشراف اخيه حافظ الاسد لتطويق مدينة حماة بحجة انها تضم مقاتلين مسلحين من جماعة الاخوان المسلمين، ورغم ان عدد هؤلاء المقاتلين كان حسب التقديرات وقتها لا يتجاوز 300 مقاتل فلقد لجأت سرايا الدفاع الى سياسة الارض المحروقة بدل حرب المدن ضد هذه المجموعة، وكانت النتيجة اكثر من 10000 ضحية مدنية بحسب التقديرات الدولية واكثر من 40000 بحسب التقديرات الاهلية في المدينة.

تزامنت هذه الاجراءات مع عمليات واسعة في باقي المدن السورية للمخابرات السورية، فكانت الاعتقالات التعسفية والقتل وتخريب الممتلكات على نطاق واسع، حتى قيل ان معظم الاسر السورية فقدت عزيزا بين اغتيال او اعتقال او اختفاء قسري ابطاله لم يظهروا الى الآن.

بقيت مدينة حماة في وجدان السوريين، وذاكرة الاهلين في كل سورية، ولا زال ذكرها لحد الآن تذرف عليه الدموع وتزم الشفاه حزنا وآلما على ما حدث هناك.

بانطلاق الثورة السورية السلمية في 15 مارس/آذار لهذا العام، كان من الملفت ان حماة كانت من المدن التي قامت وانتفضت ضد الظلم الذي لحق بمدينة درعا، وبشكل فاجئ الجميع، فرغم الجراح ورغم الذكريات السوداء قام اهل هذه المدينة المفجوعة بدورهم في دعم المدن المحاصرة، لا بل كانوا اكثر الناس مظاهرات، فكانت مظاهراتهم شبه يومية، لم يركنوا فيها للخوف من اجرام النظام الذي قتل اجدادهم وابائهم قبل 30 عاما.

النظام السوري بدوره لم يحاول ان يضع ثقله الامني على هذه المدينة، لانه يعلم مقامها عند كل السوريين، وحاول تحيدها، فمرة بلقاء وجهائها مع الديكتاتور بشار الاسد، ومرة بالتهديد والوعيد، ولكنها ابت الا ان تشترك مع المدن الاخرى بضريبة الحرية.

في جمعة اطفال الحرية كانت مدينة حماة على ما عاهدت نفسها عليه، وبحسب التقديرات فإن 150 آلف متظاهر كانوا على هتاف واحد، الشعب يريد اسقاط النظام، كما وصف هذا الحشد بانه كان أسرا وملفتا ومنطلقا في شوارع حماة بكل حضارة ورقي الى ان وصلوا الى احد الحواجز قرب فرع حزب الطغيان، هنا ارتكبت قوى الامن مذبحتها باطلاق الرصاص الحي من كل الاعيرة مباشرة الى صدور المتظاهرين فسقط اكثر من 100 متظاهر ومئات الجرحى.

هنا نتسأل: هل هذه الحادثة عرضية، وعلى مسؤولية من امر باطلاق الرصاص؟ اما عملية مدروسة ونفذت بحذافيرها؟ ولماذا الآن، ولقد كانت مظاهرات حماة الاضخم في كل جمعة مقارنة بالمدن الاخرى؟ وان كان كذلك فما الرسالة المراد ايصالها ولمن؟

لنراجع ما حدث الاسبوع الماضي الذي حمل لسورية الكثير من الاحداث واهمها:
1- دعوة وزير الخارجية التركي داود اوغلو النظام السوري لتنفيذ الاصلاحات السياسية سريعا على طريقة العلاج بالصدمة، اي ان يحدث النظام السوري اصلاحا يسبق حتى ما طالب به الشعب السوري.
2- اتصل رئيس الوزراء التركي بالاسد وطالبه باجراء اصلاحات جذرية سريعة، بطريقة تدهش العالم بحد تعبير ادوغان.
3- اقامة مؤتمر انطاليا الذي ضم جزء من المعارضة السورية المشتتة في الخارج بحضور ملفت لعناصر من الاخوان المسلمين.
4- زيادة الضغط الدولي على النظام السوري واستنكاره الجريمة التي حصلت بحق الشهيد الطفل حمزة الخطيب.

اصدر الاسد مرسوما يقضي بالعفو عن المعتقلين السياسيين وتخفيف الاحكام الصارد على بعض منهم لتخفيف ضغط الاتراك والدول الغربية، وكان اللافت بهذا المرسوم الاشارة الى المادة 49 والمدانين بها وهم الاخوان المسلمين ورغم ان هذه اللفتة كانت رمزية وبهدف الغزل السياسي بسبب عدم وجود حقيقي للاخوان ومنتسبيهم في الداخل السوري، ولاعدام كل من كان متواجدا في سورية منهم قبل زمن طويل، فكانت رسالة مهادنة واضحة للاخوان المسلمين المشاركين في مؤتمر انطاليا ولقد فهمتها الجماعة وتلقفتها فاصدرت قيادتها في لندن بيانا قالت فيه: ان من يوجد في مؤتمر انطاليا من الاخوان المسلمين لا يمثلون الا انفسهم.

اختتم مؤتمر المعارضة في انطاليا اعماله وبتوصيات كان اهمها: دعوة الرئيس الاسد الى الاستقالة الفورية من السلطة تحت رغبة الشعب السوري، ولقد كانت هذه التوصية غير متوقعة وشكلت صدمة للنظام واربكته دوليا بعد ان بدأت ايجابيات مرسوم العفو تتشكل.

اعتقد ان النظام السوري فهم هذه الدعوة على انها رد سلبي من الاخوان المسلمين على اشارته الموجودة في مرسوم العفو، ولم يقتنع ببيانهم الصادر من قيادتهم في لندن وحملهم مسؤولية هذه الدعوة كونهم مشاركين رئيسيين في هذا المؤتمر، فأراد النظام معاقبة الاخوان المسلمين ولكن كيف وهم خارج سلطته؟ اعتقد ان النظام قرر مهاجمة رمز الاخوان المسلمين وهي مدينة حماة لارسال رسالة اخرى للاخوان المسلين ولكن هذه المرة بنكهة الدم، فكانت المجزرة التي حصلت بالامس.

أخطأ النظام السوري بهذا التصرف لانه اعتقد ان الثورة السورية هي ثورة الاخوان المسلمين، وأخطأ النظام بمحاولته تصوير هذا الصراع على انه بين النظام العلماني في سورية وبين تنظيم الاخوان المسلمين الذي يريد اعادة سورية الى العصور الوسطى ويسانده في ذلك قوى السلفية، وأخطأ ايضا بهذا التصرف بحق مدينة حماة وشعبها، لانها تشكل خط احمر في وجدان السوريين جميعا، وأخطأ الاخوان بأن حاول المناورة السياسية على حساب الشعب رغم كل الدعوات والتحذيرات من المفكرين لهم بعدم محاولة استغلال هذه الاحداث لتحصيل مكاسب سياسية.

ببساطة ما فعله النظام السوري بامس، سيخلط الاوراق من جديد في الثورة السورية السملية التي نتمى المحافظة على هذه السلمية، وسنرى تبعات فعلته في الايام المقبلة، وبحسب مراقبين قبل هذه المجرزة فإن نهاية هذه الثورة كانت بعد 6 اشهر من بدايتها لصالح الشعب او صالح النظام، ولكن بعد هذه المجزرة وبحسب نفس المراقبين فان الاسبوعان القادمان سيحملان الكثير من الاحداث الغير متوقعة.