على مدار أكثر من اربعين عاما والمعارضة السورية مغيبة عن المشهد السياسي والاجتماعي في سورية، ومشرذمة في بلدان الاغتراب اومتوارية في الداخل إما هربا او اعتقالا او اختفاء قسريا، لم يكن احد قبل اربعة اشهر يتوقع ان نشهد قيامة جديدة لهذه المعارضة، وبعد بدأ الثورة السورية السلمية شهدنا ارتفاعا لاصوات المعارضين في الداخل وهم قلة وفي الخارج وهم الاكثرية.
وجدت المعارضة السورية نفسها فجأة في دائرة الضوء بكافة اطيافها من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، المفاجئة كانت قوية تحت شجاعة الشعب السوري بحيث اوضحت الحالة السيئة لهذه المعارضة، فلا تغطية اعلامية لنشاطهم قبلا هذا اذا وجدنا اي نشاط من اي نوع ولا شعبية تذكر في الداخل وشخصياتها مجهولة بكثير من الاحيان في هذا الداخل، وحملت ما لا تقوى عليه من مسؤوليات تجاه الشعب السوري الاعزل الثائر.
المعارضة السورية وكما نعلم تتكون من بقايا الاسلاميين والاشتراكيين والقوميين (مختلف القوميات السورية) والمنشقين عن النظام بالاضافة الى بعض الاحزاب الكرتونية في الخارج التي تعتاش على معونات دول الاستضافة والمكون الاكثر هم الكتاب والباحثين والمثقفين والشخصيات مستقلة.
بمواكبة الحراك الشعبي عقد اولا مؤتمر للمعارضة بانطالية في تركيا وبعده بأيام بروكسيل، وأخيرا المؤتمر التشاوري الذي عقد بالأمس وكان اللافت انعقاده في الداخل السوري بإذن مسبق من النظام السوري، واجمعت هذه المؤتمرات والاجتماعات على دعم الشارع السوري وحركته السلمية والتشديد على سلمية هذه التحركات، وهو اكبر نجاح للمعارضة رغم الاختلاف الفكري لاطيافها.
في المقابل كانت تحركات النظام السوري ضد هذه المعارضة فحاول في البداية وصف هذه المعارضة بأنها من أدوات المؤامرة الغربية لاسقاط نظام المقاومة والممانعة، ومع تقدم الثورة السورية غير من لهجته وحاول تقسيمها الى معارضة داخلية شريفة تعمل تحت سقف الوطن ومعارضة في الخارج تعمل بامر الاستعمار الجديد، وأيضا تحت ضغط الشارع بحث النظام السوري عن طريقة لاعادة جزء من شرعيته المنهارة امام جرائمه بحق المتظاهرين السلميين فسمح بانعقاد الاجتماع التشاوري الاخير في دمشق والغريب بالامر هو تقسيم هذا النظام للمعارضة في الداخل الى معارضة ايجابية واخرى سلبية.
وفي المقابل أيضا هناك الحراك الشعبي الذي أظهر ومنذ بداية المظاهرات السلمية رفع شعارات ضد أطياف من هذه المعارضة والتبرء من الانتماء لها، ومن اي تصريح او تحرك لافراد او تنظيمات المعارضة لا يتوافق مع المزاج العام الشعبي.
نحن الآن امام مشهدين يقفان مقابل المعارضة السورية، مشهد يقف فيها النظام السوري ضد هذه المعارضة الذي يحاول بشتى الوسائل للاستفادة من ضعفها لتسويق رؤيته للمرحلة القادمة وجعل الجزء الاضعف منها حلقة من حلقات شرعيته ولعبته، ومشهد شعبي يقف امامها أيضا ويحسب عليها حركاتها وسكناتها لمنعها من التحول الى لعبة بيد النظام او الالتفاف عن مطالب الشعب في سبيل بعض المكاسب السياسية الآنية.
امام المعارضة السورية خيار واحد فقط وهو محاولة اللحاق بالشارع ومطالبه وتقديمها وتبنيها لتأسس شرعية لها في النظام القادم في سورية، لا بديل لها عن ذلك والشعب السوري يقدم التضحيات وهو يطالب بالحرية والديمقراطية، والا ستسقط كما سيسقط النظام اليوم او غدا او في وقت لاحق اتمنى ان يكون قريبا جدا.