الأحد، 10 يوليو 2011

خونة الجمعة وساحرات السبت


اوروبا في العصور الوسطى كانت في اظلم عصورها على الاطلاق، وسط يتحكم به الخرافات والايمان بقوى الظلام بقيادة الشيطان التي تسعى الى دمار الانسانية بالاضافة الى رجال الدين والملوك والامراء مجتمعين على حرمان الرعية من العلم وحرية التفكير والاعتقاد والتعبير لضمان الاتباع الاعمى لنفوذه وسلطتهم.


فعلى سبيل المثال لا الحصر اكثر من 100 آلف امرأة اتهمت بالسحر والشعوذة او التعاون مع الشيطان وتقديسه بهدف أذية الناس والعامة في المانيا وحدها في القرن السابع عشر وحرقن، كان هناك ما يسمون صائدي الساحرات وهم اناس مهمتهم كشف هؤلاء النسوة والاستدلال عليهم مقابل مبالغ مالية كجوائز وحوافز، كانت النسوة بكل بساطة لا يمتلكن الحق في الدفاع عن انفسهن، كان امامهن فقط الاعتراف والموت حرقا او شنقا او الانكار والموت ايضا تحت التعذيب او الاعدام بحسب ادلة واهية لا تحمل اي قيمة قانونية او من خلال شهود زور كانوا يعتقدون انهم بشهادتهم التي تحمل ادانة تلك النسوة يقدمون خدمة للرب.

أكثر التهم انتشارا في ذلك الزمن كان الانتساب الى أعضاء في اجتماعات سبت الساحرات، وكانت هذه التهم تتضمن تهمة الاجتماع مع نسوة أخريات ايام السبت والقيام بهذا اليوم بطقوس شيطانية كتقبيل موخرة الشيطان وممارسة الجنس الجماعي وتقديم القرابين البشرية الدموية، وعليكم ان تتصور كمية التعذيب والالآم التي مرت بها تلك النسوة وكمية الاجرام التي رافق تلك الفترة من التاريخ الاسود من تاريخ البشرية، والتي انتهت كما تفسرها احدى الباحثات بسبب انتقال الناس من الريف للمدينة وانتشار العلم والبدء بتقديس التفكير وارتفاع ضمانات الحرية الشخصية وعلى رأسهم حرية التعبير.

سورية منذ الانقلاب الاول على الدستورية الناشئة بعد الاستقلال وهي تعيش بعدم استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي وجاء حزب البعث في بداية ستينيات القرن الماضي لتكريس الاوضاع التي دفعت سورية الى الظلام السياسي الذي نعاني من تبعاته لليوم.

فمنذ استلام حزب البعث السلطة نتيجة انقلاب عسكري على حالة غير شرعية اصلا مرت البلاد بتحولات اعمق نحو الهاوية تجسدت بتحوله لاداة عائلية بيد آل الاسد ومن يدور في فلكهم من اقربائهم ومنافقيهم، هكذا اصبح كل من يقول رأيا مخالفا لهم او ينتقد اقل انتقاد خائن وضد الثورة (إنقلاب البعث)، سجن الكثيرون وعذب الكثيرون ومات الكثيرون.

أصبحت سورية دولة بوليسية متوحشة على شعبها، اصبح النظام السوري يقود جيش من صائدي الخونة بمفهومهم طبعا، فمن يتجرأ على ابداء اي نقد علني يجد نفسه في السجن او تحت التعذيب ليعترف بانه من عملاء اسرائيل او احدى الجماعات الدينية المتطرفة او اليسارية الثورية، قتل تحت هذا النظام ما يزيد عن 60 آلف شخص في الثمانينات رغم ان معظمهم مدنيين مسالمين لا نشاط سياسي واضح او اتهامات واضحة بالدليل القاطع.

في سورية التهم تلفق للناس بمجرد تقرير مخابراتي يقوم بكتابته مخبر، والاعتقال تحت ما يسمى قانون الطوارئ (ونفس السلوك يمارس بعد رفع هذا القانون)، والتعذيب يكون بطريقة بربرية بهدف نزع الاعترافات بما يمليه رجل الامن المكلف بالتعذيب، كثيرون يرفضون اي اعتراف فقسم منهم يقتلون نتيجة ارتفاع شدة التعذيب مع تقدم الوقت ومنهم يظل في المعتقل دون محاكمة باصابات بالغة قد ترافق المعذب لبقية حياته وربما يحاكمون بتهم اقل ما يقال عليها انها مضحكة وغير مادية كتهمة اضعاف الشعور الوطني او بث الشائعات او بث الاخبار المغرضة والى ما هناك من هذه التهم الغير عقلانية، ومن يعترف يكون السجن الطويل وبظروف صعبة وغير انسانية.

الثورة السورية السلمية الحالية التي تهدف الى الحرية والديمقراطية والوصول الى سورية الانسان اعادت الى ذهني اوروبا في العصور الوسطى وذكرتني بكل قصصها واعادت الي كل ما سمعت او قرأت عن جرائم النظام السوري في الخمسين سنة السابقة.

كل جمعة يجتمع المتظاهرين المطالبين بالحرية وهم يعلمون ان النظام السوري نظام متوحش دموي لا رحمة في قلبه، والنظام منذ بداية التظاهرات اطلق شتى انواع التهم عليهم فهم المندسين والمخربين والعصابات المسلحة والتكفيريين والسلفيين، اطلق رجال الامن الذخيرة الحية على المتظاهرين طوال الاشهر الاربعة الماضية وادى ذلك الى سقوط اكثر من 1800 ضحية وبدم بارد، رجال الامن هؤلاء انتقاهم النظام السوري بعناية فائقة وفق استراتيجة كونهم من الافقر في المجتمع ومن القرى النائية ليسهل عليه السيطرة الفكرية والمادية عليهم ليصبحوا في أيامنا هذه صائدي المتظاهرين أيام الجمع، وتم اعتقال اكثر من 20 آلف مواطن دون تهم واضحة وهم تحت التعذيب ومات الكثير منهم تحت هذا التعذيب وذلك للاعتراف بما لم يقدم عليه هؤلاء.

سورية تعاني بسبب قوى الظلام والمجرمين، والشعب السوري يعاني تحت هذا النظام الغير انساني، نستطيع تشبيه النظام السوري الحالي بالنظام البابوي المدعوم من ملوك وامراء الظلام الذي حكم اوروبا في عصور الظلام والذي كان يعدم كل من يشغل عقله ويفكر ويتحدث بحرية، وما اشبه اليوم بالامس حين كان صائدو الساحرات يلاحقون نسوة لا حول لهم ولا قوة بتهمة اجتماعاتهم أيام السبت فاليوم رجال الامن البائسون يلاحقون المتظاهرين أيام الجمعة ويقتلهم ويعذبهم كخونة ومخربين، والشعب السوري يمضي قدما بفرصة تاريخة يصنعها بنضاله وتضحياته الى المدنية المنشودة والى الحرية والديمقراطية، الى سورية النور والعلم والانسانية.

هناك تعليقان (2):

  1. مقارنة موفقة جداً ومؤسفة في نفس الوقت
    هي واقع جليَ مع فرق القرون بين الحدثين !!
    كمية هائلة من السنوات بينهما لكن يأبى نظامنا إلا أن يكون رجعياً بدائياً متخلفاً بشهادة العالم وليس بشهادة شعبه فقط !
    ولو أردت الرجوع بالزمن أكثر وأكثر ، ستجد أنه لا فرق بينه وبين حقبة الجاهلية ايضاً !
    نفس العقلية المظلمة العمياء
    لذلك على عاتقنا جهد كبير من العمل بعد انتصار الثورة بإذن الله لهدم كل مسلك جهل وتخلف بناه هذا الحزب وجرَع الناس منه وقمعهم فيه، لنبني سوريا التي نريدها نحن ، بأيدينا نحن ، بملامحها الجديدة المكللة بالعلم بالنور ..

    ..
    ..
    بورك فيك اخي الفاضل فاضل
    دائما تدويناتك مميزة ولها طابع فريد
    أشكرك جزيل الشكر عليها

    ردحذف
  2. تشبيه ممتاز.. بين نظامين.. من زمنين مختلفين.. ولا شك أن اللانظام السوري يحشد كل طاقاته لإبقاء سوريا في العصور الوسطى.. بينما يخطو العالم إلى القرن الحادي والعشرين

    حسام عرفة

    ردحذف