الأربعاء، 25 مايو 2011

سوريا: الحقيقة وطمسها


طفل صغير يضع يديه على عينيه يعتقد ان امه لا تراها لانه ببساطة لا يراها، ويكشف فجأة عن عينيه لمفاجأة الام التي تسايره وتصطنع السعادة على محياها لتعبر عن فرحها برؤيته من جديد، وعندما يكبر هذا الطفل يتعلم انه لا يستطيع ان يخفي العالم وراء يديه.

حاول النظام السوري منذ بداية الثورة السورية الشعبية السلمية في سورية عن طريق منع وسائل الاعلام ومراسيلها من العمل على الاراضي السورية، حاول منع اي خبر مهما كان ان يطوف على السطح، وزاد على ذلك بان وظف كتابا صحفيين ومحللين سياسيين وبل اعضاء من مجلس الشعب واساتذة جامعيين وبعض المرتزقة من الدول المجاورة للرد والتصريح على هذه الوسائل دون ان يكون لهم اي صلاحيات، هدفهم نشر الكذب وتكذيب كل ما يتسرب لوسائل الاعلام العالمية من احداث، وكل هذا بادارة افرع المخابرات ومعرفتها، وبنشرات محددة لا يستطيعون معها تبديلا، زيادة او نقصانا.

في منتصف شهر آذار/مارس بدأت اول مظاهرة في سوق الحميدية في مدينة دمشق وبعدها جاءت الوقفة الاحتجاجية امام وزارة الداخلية للمطالبة بالافراج عن معتقلين سياسيين، وقتها تسرب للاعلام مقطعين او ثلاثة، تلقفتها وسائل الاعلام بوصفها احداث استثنائيا تقع في الدولة الحديدية التي تخفي وراء سورها ملايين البشر مكبوتي الصوت والارادة، بعدها اتت الاحتجاجا في مدينة درعا على اعتقال اطفال كتبوا ببراءة بعض العبارات السياسية التي شاهدوها على التلفاز من تونس ومصر، وهنا ايضا بدأت مقاطع الفيديو بالظهور.

 بعد اكثر من  70 يوما على بداية الثورة، ودخول الجيش للمدن الحرة التي لم تقبل الظلم على درعا كاللاذقية وبانياس وتلكلخ وحمص، كان اللافت هو مقاطع الفيديو التي تأتي لدعم الرواية الشعبية، الرواية التي لم تكن لتصدق لولا وجود الشبكات الاجتماعية.

حاول النظام السوري باعلامه المتهالك الذي يعتمد التمحيص المخابراتي قبل بث اي خبر ان يواكب هذا الزخم ففشل لعدم امتلاكه مقومات الاعلام الحقيقي، فطلب مساعدة قناة الدنيا فاعتمدت على السفسفات والترهات وتزوير الحقائق فسقطت هي الاخرى فيما سقط به التلفزيون الرسمي.

على الجهة الاخرى، ادت هذه الاحداث الى ظهور مجموعة هائلة من النشطاء على الانترنت، وشكلوا فيما بينهم شبكات اخبارية - كشبكة شام مثالا -، هذه الشبكات استطاعت بفترة قصيرة جذب الآلاف من المتتبعين لمصداقيتها العالية التي اثبتتها معظم ما بثته، وحصل ما يشبه الانفجار المعلوماتي على الشبكات الاجتماعية، فظهرت مئات الصفحات التي تتحدث او تنقل ما يحدث اولا باول مع مقاطع الفيديو لتأكيد على الأخبار، وكانت نسبة الاخطاء قليلة جدا، وفضحت الاعلام الرسمي والقناة المساندة وكشفت اكاذيبه والاعيبه.

ظن النظام ان ما فعله بالامس في ثمانينيات القرن الماضي هو الوصفة السحرية، ونسي ان العالم تغيير بشكل جذري، فحماة التي لم تذكر في اوروبا باكثر من 6 اسطر بعد شهر من نهاية المجزرة استطاعت سياسته الاعلامية فيها النجاح لان العالم وقتها لم يكن قد نضج بعد، اما اليوم فان اي جملة يكتبها احدهم على تويتر قد تغير وطن باسره، وربما صورة قد ينشرها احدهم على الفيس بوك قد تغير العالم.

ان العالم اصبح بحق شابا ناضجا الآن فلا تتخفي الحقيقة عنه عندما تضع يدك امام عينيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق