كثير هم من يتكلمون عن احتراف النظام السوري للعبة التوازانات والمناورات على المستوى الدولي وعن حساسيته العالية بالتغيرات والعوامل التي تتحكم بها، فلقد استطاع على مدار اربعين عاما البقاء سالما دون ان يتصدع لا بل في كثير من الاحيان خرج من الازمات الخارجية اقوى بكثير.
وفي المقابل على المستوى الداخلي لم يركن الى لعبة التوازنات بين قوى المجتمع، بل فرض قانونه الخاص المتمثل بتوازن القوة المبني على مقولة "ان لم تكن معي فانت ضدي وسأدمرك، او ترتدع"، فكان الداخل السوري ساكنا سياسيا ما عدا بعض الاحداث التي حاول فيها فريق من المعارضة تغيير الواقع فكان العنف في حماة وكثير من المدن السورية الذي ادى الى إلغاء وجود هذا الفريق كلية من المجتمع.
وقعت الثورة التونسية وبعدها المصرية وحققتا اسقاط النظام، والليبية التي جنحت الى السلاح تحت ضغط اجرام نظام القذافي، واليمنية التي تميزت بسلميتها رغم وقوعها في دولة يباع فيها السلاح كانه الخبز ويتوفر لكل من طلب ويطلب، الجميع لم يكن يتوقعها صراحة في سورية شعبا او سلطة، فمرت اول دعوة للاحجاجات بدون اي صدى يذكر، وتوقع ان الثانية ايضا ستمر كما الاولى، ولكن المرة الثانية كانت مصحوبة بظروف أنجحت هذه الدعوة للرد على اعتقال اطفال في مدينة درعا، هنا بدأت الثورة السورية التي استفادت من كل تجارب اخواتها واكتسب الشعب الكثير من ادوات النضال السلمي.
في بداية الثورة السورية لجأ النظام السوري الى لعبة التوازن الداخلية، فكان القمع هو لغته الوحيدة معتقدا انه باسبوع او على الاكثر اسبوعين سيعيد السكون الى ما كان قبل ذلك، ولكن تفاجأ بعكس ما كان توقعه، وهنا سقطت استراتيجيته الداخلية في خلق توازن الرعب، لم يعد الشعب يخشى من الموت او التعذيب، واصبح مؤمنا اكثر بانه قادر على التغيير كأشقائه في مصر وتونس، فاستخدم لاول مرة تقنيات جديدة فغازل الاخوة الاكراد وساومهم على الجنسية التي نزعت منهم ظلما قبل اربعين عاما، ورفع حالة الطوارئ والغى محاكمة امن الدولة شكليا وقيد حق التظاهر بقانون اقل ما يقال عنه هو انه اغتيال لحق عن طريقة قانون ينظمه، وهذه التقنيات بدورها فشلت في اقناع الناس بعنفه الدموي.
بتزايد عدد الضحايا من المدنيين الابرياء المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية والكرامة برز ضغط دولي على النظام، كون ما يرتكبه من فظائع وجرائم لا يتقبلها البشر اينما وجودوا، فهنا لجأ النظام الى استراتيجيته في استغلال التوازنات الدولية، وراح يوجه رسائل تهديد مختلفة الشدة لمن يتكلم او يحاول التدخل في الشأن السوري لصالح الشعب الاعزل الذي ينكل فيه ويسقط في صفوفه شهداء عزل ابرياء طلب فقط حقه في العيش الكريم، فهدد الغرب بان لوح بامن اسرائيل وربطه بامن النظام في سورية عن طريق مقال نشرته النيويورك تايمز لرامي مخلوف، والتطبيق اتى بعد ايام عن طريق اقتحام متظاهرين للحدود الفاصلة بين ارض سوريا الام وبين الجولان المحتل لاول مرة منذ أكثر من 30 عاما، وهدد تركيا واستقرارها بان سمح لمظاهرة اخرى على الحدود التركية السورية لمجموعة من اعضاء حزب العمال الكردستاني وبحركة تحمل معنى متناقض سلم تركيا ثلاث من مقاتلي هذا الحزب ولسان حاله انتبهي يا تركيا فهذا الحزب في يدنا نحركه متى نشاء ضدك، وهدد الاتحاد الاوروبي بعد تمديد العقوبات الاقتصادية لتشمل الرئيس الاسد نفسه وبعد ايام وقع انفجار في مدينة صيدا اللبنانية ضد مجموعة من قوات الامم المتحدة ايطالية الجنسية ادى الى مقتل جندي ايطالي وجرح اخرون ورغم عدم تبني اي طرف لهذه التفجيرات الى ان اعين جميع المحللين نظرت الى دمشق، وهدد دولة قطر التي تستضيف قناة الجزيرة بمصادرة ست مليارات دولار قيمة الاستثمارات القطرية في سورية بسبب تغطية هذه الاخيرة للثورة السورية ولو كانت خجولة لا ترتقي في تغطيتها الى الثورتين المصرية او التونسية.
النقاط السابقة كان لها التأثير المباشر والغير مباشر على الثورة السورية، ولكن الواضح والمتفق عليه ان هذه الاوراق لم تعد مجدية امام ما يقترفه من جرائم، قد يستطيع النظام اطالة مدة الاحتجاجات وقد ينجح في الحد منها ولكن مع كل ضحية تسقط وامام كل دبابة يدفع بها الى مدينة جديدة، يخسر من اوراقه ويضاف عدد جديد من المتظاهرين الغاضبين من هذه الجرائم.
ان الاعتماد في حل المشاكل الداخلية لا تنجح عن طريق التوازنات الدولية، فالتوازنات الدولية تعتمد على عوامل كثيرة وذات وقت طويل يعطي مجالا للمناورة، ولكن لا تعمل في الشؤون الداخلية لان حركة الشارع والشعب تكون اسرع فتحرم النظام من ميزة المناورة.
مع دخولنا الى الاسبوع الحادي عشر يبدو ان النظام السوري بدأ يخسر رهانه الخارجي امام خسارته لرهان القوة في الداخل، فظهر ذلك بدعوات الاطراف كافة بما فيها الصين وروسيا الحليفين التقليديين للنظام الى نقل الاقوال الى افعال فيما يتعلق باصلاح وان يكون طريقة العلاج بالصدمة، وبحسب قناعتي بان هذا النظام لا يملك مشروعا للاصلاح اعتقد ان النظام سيخسر ورقة خارجية وراء ورقة ليتعرى كلية قريبا.