بعدما تراجعت شعبيته إلى حد كبير في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب بلاده قبل أكثر من خمسة شهور، قدم رئيس الحكومة اليابانية، ناوتو كان، استقالته من منصبه الجمعة، دون أن ينتظر إلى الثلاثاء المقبل، وهو الموعد الذي أعلنه في السابق، لتقديم استقالة جماعية لحكومته.
رئيس الوزراء الياباني لم يلقي ما حدث في اليابان من زلزال مدمر وما تبعه من موجة مد عملاقة تسونامي وتعطل للمفاعلات النووية والتسرب الاشعاعي الى مؤامرة خارجية، لم يناور سياسيا ويتهم المعارضة اليابانية بانها استغلت الاحداث لتقضي على مستقبله السياسي، بل على العكس احترم ارادة الشعب الياباني وفهم من دراسات الاستطلاع ان اليابانيين لم يعد يثقون به ولم يعد يريدونه لقيادة المرحلة القادمة، رغم ان ما حدث من وجه نظري خارج عن ارادته، فلقد كانت في النهاية ارادة السماء.
اليابان الدولة التي تعلمت من الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، تعلمت الديمقراطية اللبيرالية وتعلمت حقوق الانسان ومضت في ركب الدول المتقدمة حقوقيا، وتعلمت اهم مبدأ في العمل والادارة وهو مبدأ الكايزن.
وعلى النقيض ما زلنا نحن العرب خاصة والمسلمون عامة ننظر الى الغرب على انه الغرب الكافر الذي يريد بعلمانيته ولبيراليته القضاء على مجتمعنا وعلى تراثنا، الغرب له سلبياته ولكن له ايجابياته التي هي اكثر من ان تحصى، ولكن اذا رجعنا الى تجربة اليابان نجد ان اليابانيين لم يتخلوا عن مبادئهم وعن تراثهم وعن بوذيتهم، بل اضافوا الى تراثهم الحضاري التجربة الغربية فامتزجت لتصبح انموذجا يتغنى به الكثيرين.
احيانا اتسأل هل العيب هو من حكوماتنا؟ ام العيب هو من التكوين الفكري لشعوبنا؟ وبحقيقة الامر ان السبب هو الطرفين، فكثير من حكومات الشرق الاوسط التي وصلت للحكم اما عن طريق انقلابات او عن طريق تدخلات خارجية لم تسطع الى الآن صياغة مشروع حضاري وطني واحد، وكذلك الشعوب لم تستطع ان تخرج من التراث التاريخي الذي اثقل كاهل بلداننا.
بعد نصف قرن من خروج بلدان الشرق الاوسط من تحت مظلة الاستعمار، نحن عاجزون عن ان نتقدم في ركب الحضارة الانسانية كليابان مثلا، وما زلنا نعيش في الدوامات الفكرية المختلفة التي لم نتفق بعد على فلسفة معينة نعيش بها بعد الاستقلال وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي في وقت لاحق، فالانقسام واضح ما بين قوى دينية لها نفوذها وعدائها للغرب، وبين العلمانيين والليبيراليين ذوي النفوذ الضعيف الذين لم يستطيعوا الى الآن نشر او الترويج لافكارهم.
من خلال ما تقدم نجد ان امام شعوب المنطقة تحديات كثيرة للخروج من الحالة التي يرزح الشرق الاوسط تحتها، وكانت تجربة الثورة التونسية والمصرية والليبية غنية في دفع المنطقة في الاتجاه الصحيح، وايضا لا ننسى الثورة اليمنية والسورية، ولكنها تبقى ناقصة اذا لم تجلب نهضة فكرية عميقة تدرس الايجابيات التي توجد في دول العالم المتقدمة وتطبقها للانطلاق في هذا العالم لنكون في طليعة الدول التي تسعى الى بناء الانسان والانسانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق