الاثنين، 3 أكتوبر 2011

انسان معاصر

وقف في الشارع وحيدا، عقله عاجز عن التفكير، وخياله اضحى صحراء قاحلة، اخرج سيجارته الاخيرة في علبة السجائر، اشعلها ومع كل قبلة لتلك السيجارة كان هناك زئيرا عظيما مكبوتا في الحشايا.

- الى أين سأذهب؟ ماذا سافعل؟

فجأة هاجمته الافكار، التخيلات، والاعباء التي تثقل كاهله، صور من طفولته ومراهقته ومرحلة دراسته الجامعية وحالته الحالية في العمل والبيت، كلها دفعة واحدة بآلامها وأحزانها.

- لماذا حدث كل هذا معي؟ متى ستنتهي وحدتي؟

مرت دقائق طويلة مستغرقا في التفكير، لم يتنبه الى طول هذه الدقائق الا عندما انتهت تلك السيجارة اليتيمة رمادا تتناثره الرياح.

- الى متى وانا اعيش الخوف والرعب في حياتي؟

راح يفكر بمديره المتنمر في العمل وكيف هدده اليوم بالفصل بعد ان وظفوا ذلك الشاب الجديد ذو الراتب المنخفض والذي يتمتع بالطاقة والحيوية التي فقدها هو على مر السنين الطويلة ويحمل شهادة جامعية اعلى من شهادته الجامعية واكثر تخصصا.

- كان علي ان اعمل على تطوير نفسي، ولكن كيف كنت سأحصل على وقت لذلك؟

سمع صوت زوجته وهو يهدر كلعادة في رأسه ويردد نفس الشكاوى والتجريح، تقرعه على عدم ترقيته في وظيفته وراتبه الشهري منذ اعوام طويلة، عن الاولاد المحتاجين للباس والغذاء والترفيه.

- لم يقل لي احد كلمة شكرا منذ زمن بعيد رغم اني عملت على مدار خمسة عشرة عاما كساعة.

راجع شريط حياته فلم يجد فيه الا الاستيقاظ في السادسة صباحا ليلحق بعمله ومكالمات الهاتف التي لا تنتهي من العملاء وطلباتهم السخيفة والتنمر والاستئساد من المدراء الذين كانوا فوقه على مر هذه السنين، والعودة الى بيت عند السادسة مساء ليقابل بجبل من عدم الشكر وطلبات العائلة التي لا تنتهي لينام وهو خائف من الاستيقاظ مجددا.

- كم اتمنى ان تنتهي حياتي، ربما وجدت قليلا من الراحة في قبري.

فجأة اخذ يبكي كطفل صغير، اخذ يشهق مع كل دمعة، يحاول مع كل زفرة استجماع ما تبقى من انسانيه.

- لقد اكتفيت، ولكن ما علي فعله؟

لحظات من الصمت.

- آه، لقد تأخرت على البيت، لقد اشتقت لابتسامة اولادي.

هناك تعليق واحد:

  1. أحسنت وأحسنت :)

    (- كم اتمنى ان تنتهي حياتي، ربما وجدت قليلا من الراحة في قبري.)

    فعلا ما أكثر من يقول هذا !!

    ردحذف