السبت، 2 يونيو 2012

طفل سوري آخر

وقف الطفل امام أنقاض منزله، هنا أخذ يسترجع ذكرياته، يرى في مخيلته غرف منزله الواحدة تلو الأخرى، صوت ضحكات اخوته واخواته، دعوات امه للافطار، وصوت والده وهو يقرأ القرآن بعد عودته من صلاة الفجر، دفاتره واقلامه وكتبه وحقيبته السوداء وهو يحضرها للذهاب للمدرسة.

وقف لمدة طويلة، حتى تذكر كل اللحظات الجميلة التي عايشها في هذا المنزل، كل لقمة طعام تناولها مع احبائه هنا، كل قصة قالتها امه قبل النوم، كل ابتسامة لابيه عندما كان يأتيه للمنزل بدفتر علاماته الجيدة، وكل هدية تلقاها لتفوقه، وكل شخص كان يزورهم بشكل دوري.

فجأة قطع فلم ذكرياته صفير الرياح القوية، المحمل برائحة البارود ونكهة الدمار، بشكل غريب عاد لواقعه، لشيء يزوره كل ليلة في كوابيسه، لآلام شديدة في قلبه الصغير الحزين.

أين كل الذكريات الجميلة؟ وهل تبقى لي في هذا العالم شيء يسحتق من اجله الحياة؟ أين انتم؟ أخذ يصرخ بحرقة ولوعة ولهفة، والدموعة غرغرت عينيه السوداوين المفجوعة.

رجع الى واقعه، امام بيته المهدم، الذي فقد معه أبيه وأمه وإخوته وأخواته، فقد فيه أقلامه، ضاع فيه حلمه بأن يصبح طبيبا، مشردا هكذا في الشارع، الشارع الذي لم يعد شارعا واصبح ممرا ضيقا على جانبيه أنقاض حيه الصغير الجميل.

هذا الطفل لم يعد لديه ما يعيش من أجله، عائلته بأفرادها كلها ماتت، معظم جيرانه وابنائهم ماتوا، اصدقائه في المدرسة ماتوا، ومدرسته تحولت الى كومات من الحجارة والتراب، واحترق المسجد، ودمر المستوصف، ولم يعد هناك دكاكين، فإما دمرت وأما نهبت، حتى أن الحياة لم تترك له جد، جدة، عم، عمة، خال، خالة، او اي قريب يعتني به بعد الآن.

أدار ظهره على منزله او ما بقي به من اشلاء ومشى، لم يعرف الى اين، لم يعد مهما اي طريق يسلك، أخذ يسير وحيدا في الدروب الموحشة، بقى ساعة او أكثر على سيره، فجأة وقف مواجها لحاجز أمني، نظر إليه ولكن لم يسمع الا صوت طلقة نارية واحدة، ربما عليه ان يشكر من اطلق النار، لانه ارسله الى أحبائه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق